الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ كَأَنَّهُ لَا مَضَرَّةَ عَلَى الْمُودِعِ فِي انْتِفَاعِ الْمُودَعِ بِهَا إذَا رَدَّ مِثْلَهَا وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهَا وَيَتَمَسَّكَ بِهَا مَعَ بَقَاءِ أَعْيَانِهَا، وَلِأَنَّ الْمُودِعَ قَدْ تَرَكَ الِانْتِفَاعَ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ فَجَازَ لِلْمُودَعِ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَيَجْرِي فِي ذَلِكَ مَجْرَى الِانْتِفَاعِ بِظِلِّ حَائِطِهِ وَضَوْءِ سِرَاجِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ تَسَلُّفِ الْوَصِيِّ مَالَ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ آثِمٌ (وَالْمِثْلِيُّ) تَقَدَّمَ اللَّخْمِيِّ أَنَّ مِثْلَ الْكَتَّانِ لَا يَجُوزُ تَسَلُّفُهُ قَالَ: وَأَمَّا الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَنَحْوُهُ، فَهَلْ يَجُوزُ سَلَفُهُ كَالدَّرَاهِمِ؟ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مِثْلُهَا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ عِنْدِي الْمَنْعُ، وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَبْرَأُ بِرَدِّ مِثْلِهِ إبَاحَةُ ذَلِكَ لَهُمْ انْتَهَى. اُنْظُرْ عَزْوَ هَذَا لِلْقَاضِي وَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ.
(كَالتِّجَارَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَتَّجِرُ بِاللُّقَطَةِ فِي السَّنَةِ وَلَا بَعْدَ السَّنَةِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ.
(وَالرِّبْحُ لَهُ) مِنْ الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ مَالًا فَابْتَاعَ بِهِ لِنَفْسِهِ وَرَبِحَ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ الرِّبْحَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إلَى صَاحِبِهِ. أَبُو عِمْرَانَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَأَبِي سُفْيَانَ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّ الْمَالَ طَابَ الرِّبْحُ لَهُ غَاصِبًا كَانَ لِلْمَالِ أَوْ مُسْتَوْدَعًا عِنْدَهُ وَتَعَدَّى فِيهِ الْبَاجِيُّ. قَوْلُهُ: " فَإِنَّ ذَلِكَ الرِّبْحَ لَهُ " يُرِيدُ إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَيْنًا وَهَذَا عِنْدِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ وَلِذَلِكَ قَالَ: إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ طَعَامًا فَبَاعَهُ بِثَمَنٍ فَإِنَّ صَاحِبَهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَأَخْذِ الثَّمَنِ أَوْ يُضَمِّنَّهُ مِثْلَ طَعَامِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالصِّفَةِ. وَيَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُودِعَ لَمْ يُبْطِلْ عَلَى الْمُودَعِ غَرَضَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا. وَلَوْ كَانَتْ بِضَاعَةً أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا سِلْعَةً مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْبِضَاعَةِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ مِثْلَ بِضَاعَتِهِ أَوْ يَأْخُذَ مِثْلَ مَا اشْتَرَى بِهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ رَامَ أَنْ يُبْطِلَ عَلَيْهِ غَرَضَهُ مِنْ بِضَاعَتِهِ وَيَسْتَأْثِرَ بِرِبْحِهَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute