يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ هَذَا الْعِلْمُ هُوَ مَنْ جَادَ حِفْظُهُ وَحَسَّ إدْرَاكُهُ وَطَابَتْ سَجِيَّتُهُ وَسَرِيرَتُهُ، فَمِثْلُ هَذَا هُوَ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ هَذِهِ الْجَائِزَةِ، وَمَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ هَذِهِ الْأَوْصَافُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ، وَرُبَّمَا كَانَ طَلَبُهُ الْعِلْمَ مِنْ بَابِ الْعَبَثِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَصْلَحَةِ الْمُجْتَلَبَةِ وَمِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ فِي حَقِّهِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ شَرْعًا، فَكَيْفَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ مُرَتَّبًا أَوْ أَجْرًا؟ .
(وَلَا أُجْرَةَ حِفْظِهَا بِخِلَافِ مَحَلِّهَا) . ابْنُ رُشْدٍ: لَا أَجْرَ لِلْمُودَعِ عَلَى حِفْظِ الْوَدِيعَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَشْغَلُ مَنْزِلَهُ فَطَلَبَ أَجْرَ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى غَلْقٍ أَوْ قُفْلٍ فَذَلِكَ عَلَى رَبِّهَا. وَقَيَّدَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وُجُوبَ أُجْرَةِ الْمَحَلِّ بِكَوْنِ طَالِبِهَا مِمَّنْ يَقْتَضِي حَالُهُ ذَلِكَ وَعَدَمُ أُجْرَةِ حِفْظِهَا بِنَقِيضِهِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهَا: مَنْ رَكِبَ دَابَّةَ رَجُلٍ إلَى بَلَدٍ وَقَالَ إنَّمَا أَعَارَهُ إيَّاهَا وَقَالَ رَبُّهَا بَلْ بِكِرَاءٍ قُبِلَ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَيْسَ مِثْلُهُ يُكْرِي الدَّوَابَّ لِشَرَفِهِ وَقَدْرِهِ.
(وَلِكُلٍّ تَرْكُهَا) . ابْنُ شَاسٍ: الْوَدِيعَةُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا لِلْفَاعِلِ وَالْقَابِلِ مُبَاحَةٌ، وَقَدْ يَعْرِضُ وُجُوبُهَا كَخَائِفٍ فَقْدَهَا الْمُوجِبُ هَلَاكَهُ أَوْ فَقْرَهُ إنْ لَمْ يُودِعْهَا مَعَ وُجُودِ قَابِلٍ لَهَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَعْرِضُ حُرْمَتُهَا كَإِيدَاعِ مَغْصُوبٍ لَا يَقْدِرُ الْقَابِلُ عَلَى جَحْدِهِ لِيَرُدَّهُ عَلَى رَبِّهِ كَنَقْلِ عِيَاضٍ: مَنْ قَبِلَ وَدِيعَةً مِنْ مُسْتَغْرَقِ ذِمَّةٍ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ ضَمِنَ لِلْفُقَرَاءِ قِيمَتَهَا. مِنْ الْبُرْزُلِيُّ قُلْتُ: لِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَأَظُنُّهُ الصَّائِغَ: إنْ خَفِيَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا فَعَلَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: مَنْ سُئِلَ قَبُولَ وَدِيعَةٍ لَيْسَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ قَبُولُهَا لِهَلَاكِهَا إنْ لَمْ يَقْبَلْهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى حِفْظِهَا كَرُفْقَةٍ فِيهَا مَنْ يَحْتَرِمُهُ مَنْ أَغَارَ عَلَيْهَا أَوْ ذِي حُرْمَةٍ بِحَاضِرَةِ يَعْرِضُ ظَالِمٌ لِبَعْضِ أَهْلِهَا انْتَهَى.
وَنَحْوُ هَذَا لِابْنِ رُشْدٍ قَالَ: يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ فِيهِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ دُعِيَ إلَى أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مَنْ يَشْهَدُ غَيْرُهُ.
(وَإِنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا أَوْ أَقْرَضَهُ أَوْ بَاعَهُ فَأَتْلَفَ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ بِإِذْنِ أَهْلِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا صَغِيرًا وَدِيعَةً بِإِذْنِ أَهْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ، يُرِيدُ وَكَذَلِكَ السَّفِيهُ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ ذَلِكَ سَلَّطُوا يَدَيْهِ عَلَى إتْلَافِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ بَاعَ مِنْهُ سِلْعَةً فَأَتْلَفَهَا فَلَيْسَ لَهُ إتْبَاعُهُ بِثَمَنٍ وَلَا قِيمَةٍ، وَلَا ابْتَاعَ مِنْ الصَّبِيِّ سِلْعَةً وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ فَأَتْلَفَهُ فَالْمُبْتَاعُ ضَامِنٌ لِلسِّلْعَةِ وَلَا شَيْءَ لَهُ قِبَلَ الصَّبِيِّ مِنْ الثَّمَنِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْجَوَابُ فِي إتْلَافِهِ صَوَابٌ وَالسُّؤَالُ فِي ضَيَاعِهَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ كَالرَّشِيدِ. اللَّخْمِيِّ: وَلَا تَبَاعَةَ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَا عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute