عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَمُوتُ فِي سَفَرِهِ فَيَجُوزُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا يَنْفَعُ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهِ إشْهَادَ شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ الْحَبْسِ مِمَّا لَا غَلَّةٌ لَهُ مِثْلُ السِّلَاحِ وَالْمُصْحَفِ.
وَإِذَا أَخْرَجَ مُدَّةً فِيمَا جَعَلَهُ فِيهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى يَدِهِ فَهُوَ نَافِذٌ، وَإِنْ مَاتَ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَهُوَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَشَيْءٌ آخَرُ الَّذِي تُحَازُ عَنْهُ الدَّارُ الَّتِي يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى قَوْمٍ فَيَحُوزُونَهَا مِثْلَ السَّنَةِ فَأَكْثَرَ ثُمَّ يَكْتَرِيهَا الْمُتَصَدِّقُ بِهَا مِنْهُمْ فَيَسْكُنُهَا فَيَمُوتُ فِيهَا فَهِيَ نَافِذَةٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. وَأَمَّا عَلَى مَنْ لَمْ يُولَدْ بَعْدُ فَلَا، وَلَا عَلَى أَصَاغِرِ وَلَدِهِ. وَإِنْ حَازَ ذَلِكَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ حَتَّى يَكْبُرَ الْأَصَاغِرُ وَيَحُوزُوا مِثْلَ السَّنَةِ فَأَكْثَرَ ثُمَّ يَكْتَرِيهَا مِنْهُمْ ثُمَّ يَمُوتُ فِيهَا فَيَجُوزُ وَإِنْ كُنَّا نَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ.
قَالَ: وَإِذَا حَازَ الْمُعْطَى الدَّارَ وَسَكَنَ ثُمَّ اسْتَضَافَهُ الْمُعْطِي فَأَضَافَهُ أَوْ مَرِضَ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ أَوْ اخْتَفَى عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ الْعَطِيَّةُ. ابْنُ حَبِيبٍ: ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ إلَى أَنَّهُ إذَا حَازَهَا الْمُعْطَى سَنَةً ثُمَّ سَكَنَهَا الْمُعْطِي بِكِرَاءٍ أَوْ مِنْحَةٍ أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُهَا وَهِيَ نَافِذَةٌ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ فِي الْمُتَصَدِّقِ عَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ أَنَّهُ إنْ عَادَ إلَيْهَا بَعْدَ سَنَةٍ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ حَتَّى يَكْبَرُوا وَيَحُوزُوا مِثْلَ السَّنَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ عَادَ لِسُكْنَى مَسْكَنِهِ بَعْدَ عَامٍ ".
وَأَذْكُرُ لِسَيِّدِي ابْنِ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمُذَاكَرَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: هَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَصْعُبُ عَلَيَّ كَثِيرًا يَعْظُمُ عَلَيَّ مُخَالَفَةُ الرِّوَايَةِ وَيَعْظُمُ عَلَيَّ مُخَالَفَةُ مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ. (بِخِلَافِ سَنَةٍ) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَهُ غَلَّةٌ وَعَلَى غَيْرِ صِغَارِ وَلَدِهِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ. وَمِنْ الْمُتَيْطِيِّ: إذَا تَصَدَّقَ عَلَى مَنْ فِي حِجْرِهِ بِدَارِ سُكْنَاهُ فَلَا بُدَّ أَنْ تُعَايِنَهَا الْبَيِّنَةُ خَالِيَةً وَيُكْرِيَهَا الْأَبُ لِابْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا مَضَتْ سَنَةٌ فَلَا بَأْسَ بِعَوْدَةِ الْأَبِ إلَى سُكْنَاهَا وَيُكْرِيهَا مِنْ نَفْسِهِ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ. كَذَا فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ حَدَّ ذَلِكَ السَّنَةُ وَمَا أَشْبَهَهَا، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي هَذَا. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَا بَنَى إلَّا عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَعَلَى هَذَا عَوَّلَ شَيْخُ الشُّيُوخِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute