للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِيَاضٌ: كَانَ مَعَ تَمِيمٍ قَوْمٌ بِبَابِ دَارِهِ إذْ وَثَبَ وَقَالَ لَهُمْ: قُومُوا فَادْخُلُوا فَدَخَلُوا وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَلَا يَدْرُونَ مَا السَّبَبُ فَقَالَ: رَأَيْت سَكْرَانًا فَلَمْ أُرِدْ أَنْ تَرَوْهُ فَقَالُوا: مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: إنَّمَا سَتَرْته عَنْكُمْ ثُمَّ أُخْبِرُكُمْ بِهِ. فَقَالَ عِيَاضٌ: اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى فَضْلِ هَذَا الرَّجُلِ أَعْنِي تَمِيمًا الْمَذْكُورَ وَقُرِئَ عَلَيْهِ بِالْقَيْرَوَانِ وَسُمِعَ مِنْهُ.

قَالَ عِيَاضٌ: وَأَمَرَ ابْنُ سَلَمَةَ الْقَاضِي بِإِنْسَانٍ فِي رَأْسِهِ غِرَارَةٌ وَبِيَدِهِ كَبَرٌ فَأَمَرَ بِكَسْرِ الْكَبَرِ وَعَلِمَ وَلَمْ يَشُكَّ أَنَّ الْغِرَارَةَ مَمْلُوءَةٌ أَكْبَارًا فَقَالَ: أَنْزِلُوا الْغِرَارَةَ: قَالَ: وَكَانَ مَعَهُ أَحْمَدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: مَا عَلَيْك أَنْ تُفَتِّشَ أَمْتِعَةَ النَّاسِ إنَّمَا عَلَيْك أَنْ تُغَيِّرَ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمُنْكَرِ. فَأَمْسَكَ الْقَاضِي عَمَّا أَمَرَ بِهِ مِنْ تَفْتِيشِ الْغِرَارَةِ ثُمَّ اجْتَمَعَ الْقَاضِي مَعَ ابْنِ لُبَابَةَ ذَكَرَ لَهُ الْقَضِيَّةَ.

فَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ مِثْلَ مَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَأَقْبَلَ الْقَاضِي عَلَى أَحْمَدَ وَقَالَ: لَقَدْ انْتَفَعْت الْيَوْمَ بِصُحْبَتِك يَا رُعَيْنِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ فِي إحْيَائِهِ: مَنْ سَتَرَ مَعْصِيَةً فِي دَارِهِ وَأَغْلَقَ بَابَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَجَسَّسَ عَلَيْهِ، وَإِذَا رَأَى فَاسِقًا وَتَحْتَ ذَيْلِهِ شَيْءٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُ. نَعَمْ لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ اسْتِخْبَارٍ بِأَنَّ فُلَانًا فِي دَارِهِ خَمْرٌ فَلَهُ الدُّخُولُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ وَعَبْدَانِ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَوْلَى الْمَنْعُ إذْ لَا يَسْقُطُ حَقٌّ إلَّا بِعَدْلَيْنِ انْتَهَى.

وَانْظُرْ أَيْضًا إذَا شَهِدَ أَحَدٌ عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُنَكَّلُ الشَّاهِدُ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ: مَشَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِاللَّيْلِ فَرَأَى نَارًا فِي بَيْتٍ فَأَتَى إلَيْهَا فَإِذَا بِقَوْمٍ يَشْرَبُونَ وَشَيْخٌ فَاقْتَحَمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْكُمْ. فَقَالَ الشَّيْخُ: مَا نَحْنُ بِأَعْظَمَ مِنْك ذَنْبًا، تَعَدَّيْت وَدَخَلْت بِغَيْرِ إذْنٍ فَاحْتَشَمَ عُمَرُ وَقَالَ: ذَرُوا هَذِهِ بِهَذِهِ انْتَهَى.

وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ مَا يُعَارِضُ هَذَا إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يَسْتَظْهِرُ وَيَشْتَهِرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ الْقِيَامِ بِهَا وَإِنْ كَانَ مُشْتَهِرًا اتِّفَاقًا. وَانْظُرْ قَدْ يَكُونُ يَتَضَرَّرُ بِالرَّفْعِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ كَمَا يَسْقُطُ التَّغْيِيرُ لِمَا ذُكِرَ. عِيَاضٌ: شَرُفَ مَالِكٌ فِي رُجُوعِ أَشْيَاخِهِ لِكَلَامِهِ. حُكِيَ أَنَّ ابْنَ هُرْمُزَ مَرَّ بِدَارِ بَعْضِ أَهْلِ الْأَقْدَارِ وَهُوَ وَاقِفٌ مَعَ مَوْلًى لَهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ هُرْمُزَ: إنَّك عَلَى الطَّرِيقِ وَلَيْسَ يَحِلُّ لَك هَذَا، فَقَالَ لِعَبِيدِهِ: طَئُوا بَطْنَهُ فَوَطِئُوهُ حَتَّى حُمِلَ إلَى مَنْزِلِهِ، فَعَادَهُ النَّاسُ وَفِيهِمْ مَالِكٌ فَجَعَلَ يَشْكُو وَالنَّاسُ يَدْعُونَ لَهُ وَمَالِكٌ سَاكِتٌ ثُمَّ تَكَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ لَك أَنْ تَأْتِيَ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْقَدَرِ عَلَى بَابِ دَارِهِ مَعَهُ حَشَمُهُ وَمَوَالِيهِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ هُرْمُزَ: أَفَتَرَانِي أَخْطَأْت؟ قَالَ: إي وَاَللَّهِ.

وَقِيلَ لِمَالِكٍ: الرَّجُلُ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِالسُّنَّةِ يُجَادِلُ عَلَيْهَا قَالَ: لَا يُخْبِرُ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ سَمِعَ مِنْهُ وَإِلَّا سَكَتَ. قِيلَ: فَيَنْصَحُ السُّلْطَانَ؟ قَالَ: إنْ رَجَا أَنْ يَسْمَعَهُ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ ذَلِكَ فِي سَعَةٍ. وَانْظُرْ إذَا كَانَ الدَّارُ لِمُنْكَرٍ وَالْجِيرَانُ يَتَضَرَّرُونَ بِهِ وَالْفِقْهُ أَنَّهُ لَا يَقْتَحِمُ عَلَيْهِ فِي الدَّارِ وَلَكِنْ تُرْفَعُ الشَّكْوَى بِهِ لِلْقَاضِي وَيَعْذِرُ لَهُ ثُمَّ تُكْرَى عَلَيْهِ غَيْرَ أَنْ يَقْذِفَ أَوْ يَكْشِفَ عَلَيْهِ. اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيُّ.

(بِخِلَافِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ كَالْمُخْتَفِي) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ الْحِرْصُ عَلَى التَّحَمُّلِ مِثْلُ أَنْ يَجْلِسَ مُخْتَفِيًا فِي زَاوِيَةٍ لِتَحَمُّلِ شَهَادَةٍ فَيَنْبَنِي قَبُولُ شَهَادَتِهِ عَلَى جَوَازِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُقِرِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي شَهَادَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>