بُلْدَانٍ شَتَّى، وَلَا تَجْرِيحَ لِلْخَصْمِ فِيهِمْ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْحُدُودِ وَالْغَصْبِ لِأَنَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ لَا شَهَادَةَ فِيهَا إلَّا بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنَّمَا أُجِيزَتْ فِيمَا ذَكَرْنَا لِإِصْلَاحِ السُّبُلِ وَرَدْعِ الشِّرَارِ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ.:
الْمَصَالِحُ الضَّرُورِيَّةُ كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَصَالِحِ الْحَاجِيَّةِ كَنَفَقَتِهِ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَالْحَاجِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّمَامِيَّةِ كَنَفَقَتِهِ عَلَى أَقَارِبِهِ وَالْمَشَقَّةُ مُصْلِحَةٌ وَلَوْ أَفَضْت إلَى مُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ وَذَلِكَ ضَرُورِيٌّ يُؤَثِّرُ فِي الرُّخَصِ كَالْبَلَدِ الَّذِي يَتَعَذَّرُ فِيهِ الْعُدُولُ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي نَوَادِرِهِ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَمْثَالِهِمْ لِأَنَّهَا ضَرُورَةٌ، وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ فِي الْقُضَاةِ وَسَائِرِ الْوُلَاةِ.
وَقَالَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ: أَوَّلُ بَدْءِ الْإِنْسَانِ فِي زَمَنِ آدَمَ كَانَ الْحَالُ ضَيِّقًا فَأُبِيحَتْ الْأُخْتُ لِأَخِيهَا، فَلَمَّا اتَّسَعَ الْحَالُ حُرِّمَتْ وَحُرِّمَ السَّبْتُ وَالشُّحُومُ وَالْإِبِلُ، وَفُرِضَتْ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ صَلَاةً، وَكَانَتْ التَّوْبَةُ بِقَتْلِ النَّفْسِ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِقَطْعِ الثَّوْبِ، فَلَمَّا هَرِمَتْ الدُّنْيَا وَقَلَّ الْجَلَدُ أُحِلَّتْ تِلْكَ الْحُرُمَاتُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ.
(لَا الْمَجْلُوبِينَ إلَّا كَعِشْرِينَ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْحِصْنِ يُفْتَحُ فَيُسْلِمُ أَهْلُهُ فَيَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَأَنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِأَنْسَابِهِمْ كَمَا كَانَتْ الْعَرَبُ حِينَ أَسْلَمَتْ: وَأَمَّا الْعَدَدُ الْقَلِيلُ يَتَحَمَّلُونَ إلَيْنَا فَهَؤُلَاءِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا سِوَاهُمْ مِنْ تُجَّارٍ أَوْ أُسَارَى كَانُوا عِنْدَهُمْ فَيَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْعِشْرُونَ عَدَدٌ كَثِيرٌ. وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا لِابْنِ عَاتٍ أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ إذَا شَهِدُوا فِي حَقٍّ لِامْرَأَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ عَدْلٌ أَنَّهُ يَسْتَكْثِرُ مِنْهُمْ وَيَقْضِي بِشَهَادَتِهِمْ.
وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ هَذَا فِي نَوَازِلِهِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْمُفْتِينَ بِالْقُرَى عَلَى ثَلَاثِينَ مِيلًا مِنْ الْبَلَدِ فِيهَا الثَّلَاثُونَ رَجُلًا وَالْأَرْبَعُونَ وَالْأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَالْأَقَلُّ وَلَيْسَ فِيهِمْ عَدْلٌ مَشْهُورٌ بِالْعَدَالَةِ وَلَا يَجِدُونَ مَنْ يَعْرِفُهُمْ فَقَالَ: لِكُلِّ قَوْمٍ عُدُولُهُمْ وَلْيَسْتَكْثِرْ مِنْهُمْ مَا اسْتَطَاعَ وَيَقْضِي بِهِمْ، وَانْظُرْ أَنْتَ يَجُوزُ أَنْ يُزَكِّيَ مِثْلَ هَؤُلَاءِ مَنْ هُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَيَعْدِلُ هَذَا مَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ.
اُنْظُرْهُ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " مِنْ مَعْرُوفٍ إلَّا الْغَرِيبَ ".
(وَلَا مَنْ شَهِدَ لَهُ بِكَثِيرٍ وَلِغَيْرِهِ بِوَصِيَّةٍ وَإِلَّا قُبِلَ لَهُمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ بِوَصِيَّةٍ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ اضْطِرَابٌ.
وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ