للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمِصْرَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ وَكَذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْ الْوُعَّاظِ.

ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَرِهَ مَالِكٌ التَّطْرِيبَ فِي الْأَذَانِ وَلَمْ يَرَ لِمَنْ يَأْخُذْ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ فِي رَمَضَانَ أُجْرَةً وَلَا أَجْرًا.

قَالَ: وَالْقِرَاءَةُ بِالتَّلْحِينِ سُنَّةٌ وَسَمَاعُهُ يَزِيدُ إيمَانًا بِالْقُرْآنِ وَغِبْطَةً، وَيُكْسِبُ الْقُرْآنَ خَشْيَةً، وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ «أَنَّ أَبَا مُوسَى قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ عَلِمْت أَنَّك تَسْمَعُنِي لَحَبَّرْته لَك تَحْبِيرًا» .

وَحَكَى «ابْنُ مُغَفَّلٍ يَحْكِي قِرَاءَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِرَاءَةَ الْفَتْحِ يَوْمَ الْفَتْحِ قِيلَ: كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ؟ قَالَ: آآآ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» .

عِيَاضٌ: مِنْ إعْجَازِ الْقُرْآنِ أَنَّ قَارِئَهُ لَا يَمَلُّهُ وَسَامِعَهُ لَا يَمُجُّهُ وَسِوَاهُ مِنْ الْكُتُبِ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِيهَا حَتَّى أَحْدَثَ أَصْحَابُهَا أَلْحَانًا وَطُرُقًا يَسْتَجْلِبُونَ بِتِلْكَ اللُّحُونِ تَنْشِيطَهُمْ عَلَى قِرَاءَتِهَا.

وَمِنْ أَحْكَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: اسْتَحْسَنَ كَثِيرٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ الْقِرَاءَةَ بِالْأَلْحَانِ وَالتَّرْجِيعَ وَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَهُوَ جَائِزٌ.

ثُمَّ قَالَ: وَالْقَلْبُ يَخْشَعُ لِلصَّوْتِ الْحَسَنِ كَمَا يَخْضَعُ لِلْوَجْهِ الْحَسَنِ وَمَا تَتَأَثَّرُ بِهِ الْقُلُوبُ فِي التَّقْوَى فَهُوَ أَعْظَمُ فِي الْأَجْرِ.

وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ: لِلصَّوْتِ الْحَسَنِ أَثَرٌ عَظِيمٌ فِي النُّفُوسِ فَإِنْ كَانَ الْمَنْطِقُ رَخِيمًا رَقِيقَ الْحَوَاشِي أَوْسَعَ الْأُذُنَ سَمَاعًا وَالنَّفْسَ مَيْلًا وَقَبُولًا، وَإِنْ كَانَ مُنَغَّمًا انْتَهَى.

وَذَلِكَ بِتَقْدِيرِ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ مِنْهُ وَتَرْدِيدِ الْأَنْفَاسِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ هُوَ التَّحْبِيرُ فِي الْكَلَامِ وَالتَّنْغِيمُ فِي الْغِنَاءِ.

وَقَدْ مَاتَ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَرَاءِ فِي السَّمَاعِ لِلْحَقِّ وَمَاتَ كَثِيرٌ مِنْ الْبَطَّالِينَ فِي السَّمَاعِ لِشَهْوَةِ الْعِشْقِ.

وَعَرَّفَ عِيَاضٌ بِالشِّبْلِيِّ فَقَالَ: هُوَ شَيْخُ الصُّوفِيَّةِ ذُو الْأَنْبَاءِ الْبَدِيعَةِ وَوَاحِدُ الْمُتَصَوِّفِينَ فِي عُلُومِ الشَّرِيعَةِ عَالِمًا فَقِيهًا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ.

قَالَ: سُئِلَ عَنْ السَّمَاعِ فَقَالَ: ظَاهِرُهُ فِتْنَةٌ وَبَاطِنُهُ عِبْرَةٌ فَمَنْ عَرَفَ الْإِشَارَةَ حَلَّ لَهُ اسْتِمَاعُ الْعِبْرَةِ.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عَنْ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى عِلْمِهِ وَدِينِهِ لَا يَنْعَقِدُ إجْمَاعٌ بِدُونِهِ.

قَالَ فِي قَوَاعِدِهِ: الطَّرِيقُ فِي صَلَاحِ الْقُلُوبِ يَكُونُ بِأَسْبَابٍ مِنْ خَارِجٍ فَيَكُونُ بِالْقُرْآنِ وَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ أَهْلِ السَّمَاعِ، وَيَكُونُ بِالْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ وَيَكُونُ بِالْحِدَاءِ وَالنَّشِيدِ وَيَكُونُ بِالْغِنَاءِ بِالْآلَاتِ الْمُخْتَلَفِ فِي سَمَاعِهَا كَالشَّبَّابَاتِ، فَإِنْ كَانَ السَّامِعُ لِهَذِهِ الْآلَاتِ مُسْتَحِلًّا سَمَاعَ ذَلِكَ فَهُوَ مُحْسِنٌ بِسَمَاعِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْأَحْوَالِ وَتَارِكٌ لِلْوَرَعِ لِسَمَاعِهِ مَا اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ سَمَاعِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُحْسِنٌ بِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْأَحْوَالِ مُسِيءٌ فِي سَمَاعِ مَا هُوَ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ.

وَقَالَ عِيَاضٌ: كَانَ سَحْنُونَ رَقِيقَ الْقَلْبِ رَاهِبَ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكٍ أَفْقَهُ مِنْهُ.

قَالَ الْقَابِسِيُّ: إنِّي لَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْ خِلَافِ سَحْنُونٍ لِمَالِكٍ مَا لَا أَجِدُ مِنْ خِلَافِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِمَالِكٍ.

وَقَالَ ابْنُ حَارِثٍ: سَحْنُونَ إمَامُ النَّاسِ أَظْهَرُ السُّنَّةَ وَأَخْمَلُ الْبِدْعَةَ.

قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَكَانَ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ مَجْلِسَهُ مِنْ الْعِبَادِ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْضُرُهُ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ.

قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: عَرَضْت فَدَعَوْت لَيْلَةَ عُرْسِي جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَمِنْ أَصْحَابِ ابْنِ حَنْبَلٍ قَدِمَ عَلَيْنَا وَكُنَّا نَسْمَعُ مِنْهُ، فَكَأَنَّ أَصْحَابَنَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فِي تَغْبِيرٍ وَخُشُوعٍ، ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>