للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخَذُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْعِلْمِ ثُمَّ ابْتَدَرُوا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى زَوَايَا الدَّارِ يَصِلُونَ أَحْزَابَهُمْ.

فَقَالَ الشَّيْخُ: أَصْحَابُ مَنْ هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُعَلِّمُهُمْ فَوَاَللَّهِ مَا رَأَيْت قَطُّ أَقْبَلَ مِنْهُمْ وَمَا صَحِبُوا رَجُلًا إلَّا قَبِلُوهُ.

فَقَالُوا: أَصْحَابُ سَحْنُونٍ.

فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْت أَصْحَابَ الْعُلَمَاءِ عِنْدَنَا بِالْمَشْرِقِ فَوَاَللَّهِ مَا رَأَيْت مِثْلَ هَؤُلَاءِ.

قَالَ عِيَاضٌ: وَخَرَجَ سَحْنُونَ وَمُوسَى بْنُ الصُّمَادِحِيِّ وَابْنُ رَشِيدٍ إلَى الْمُنَسْتِيرِ وَمَعَهُمْ مَنْ يُغَبِّرُ.

فَقَالَ الرَّاوِي: فَنَظَرْت إلَى سَحْنُونٍ تَسِيلُ دُمُوعُهُ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ سَكَتَ الْفَتَى فَقَالَ سَحْنُونَ: ابْنُ يَحْيَى يَرْتَجِي أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ لَوْ كَانَ مَنْ يَقُولُ لَهُ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَهُ.

قَالَ عِيَاضٌ: كَانَ ابْنُ الصُّمَادِحِيِّ مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ وَالدِّينِ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى عَنْهُ سَحْنُونَ وَقَالَ عَنْهُ: مَا جَلَسَ فِي الْجَامِعِ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَحَقُّ بِالْفَتْوَى مِنْ ابْنِ الصُّمَادِحِيِّ قَالَ: وَكَانَ ابْنُ رَشِيدٍ ثِقَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ رَوَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ.

قَالَ عِيَاضٌ: وَكَانَ حَمْدِيسُ يُنْكِرُ عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ لِلتَّغْبِيرِ قَالَ: وَكَانَ مَيْسَرَةُ صَالِحًا نَاسِكًا وَكَانَ يَسْمَعُ التَّغْبِيرَ وَرُبَّمَا حُرِّكَ مِنْهُ فَيَبْكِي وَيُقِيمُ أَيَّامًا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ.

قَالَ عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ مُعَتِّبٍ: إنَّهُ ثِقَةٌ نَبِيلٌ عَالِمٌ بِالْحَدِيثِ صَحِيحُ الْيَقِينِ بِاَللَّهِ وَكَانَ فِيهِ رِقَّةٌ حَضَرَ مَجْلِسَ السَّبْتِ فَقَرَأَ الْقُرَّاءُ وَغَبَّرُوا وَأَخَذُوا فِي تَغْبِيرِ:

دَعْ الدُّنْيَا لِمَنْ جَهِلَ الصَّوَابَا ... فَقَدْ خَسِرَ الْمُحِبُّ لَهَا وَخَابَا

يَظَلُّ نَهَارَهُ يَبْكِي بِبَثٍّ ... وَيَطْوِي اللَّيْلَ بِالْأَحْزَانِ ذَابَا

فَلَمَّا وَصَلُوا تَحَرَّكَ وَبَكَى ثُمَّ قَرَأَ قَارِئٌ: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف: ٦٨] .

الْآيَاتِ الثَّلَاثَ.

فَصَاحَ صَيْحَةً مَدِيدَةً، ثُمَّ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ وَحُمِلَ إلَى دَارِهِ وَمَاتَ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ.

قَالَ عِيَاضٌ: وَكَانَ ابْنُ اللَّبَّادِ يَحْضُرُ مَجْلِسَ السَّبْتِ وَيَقُولُ: هُوَ يَغِيظُ بَنِي عُبَيْدٍ.

قَالَ: وَكَانَ ابْنُ اللَّبَّادِ كَثِيرَ الِاتِّبَاعِ لِلسُّنَنِ، أَجَلَّ شُيُوخِ وَقْتِهِ، مُفْتِيًا مُجَابَ الدَّعْوَةِ، عَلَيْهِ عَوَّلَ، الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ نَظَرَ إلَى رِجْلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَفْلَجَ وَقَدْ انْتَفَضَتَا فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُمَا عَلَى الصِّرَاطِ فَأَنْتَ الْعَالِمُ بِهِمَا وَالشَّاهِدُ عَلَيْهِمَا إنَّهُمَا مَا مَشَيَا لَكَ فِي مَعْصِيَةٍ.

وَقَالَ عِيَاضٌ: وَكَانَ ابْنُ التَّبَّانِ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ وَالْفُقَهَاءِ الْمُبَرَّزِينَ ضُرِبَتْ إلَيْهِ أَكْبَادُ الْإِبِلِ مِنْ الْأَمْصَارِ لِعِلْمِهِ بِالذَّبِّ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ.

قَالَ عَنْهُ الْقَابِسِيُّ بَعْدَ مَوْتِهِ: رَحِمَك اللَّهُ لَقَدْ كُنْت تَغَارُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَتَذُبُّ عَنْ الشَّرِيعَةِ.

قَالَ: وَكَانَ يَسْمَعُ التَّغْبِيرَ وَيَرِقُّ لِهَذِهِ الْمَعَانِي وُجِدَ عِنْدَ مُغَبِّرٍ فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ التَّغْبِيرُ بِدْعَةً؟ قَالَ: وَالِاجْتِمَاعُ أَيْضًا عَلَى الْمَسَائِلِ بِدْعَةٌ فَبَلَغَ السَّبَّائِيَّ كَلَامُهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ.

وَبِالْجُمْلَةِ لَمْ يَزَلْ السَّلَفُ تَخْتَلِفُ أَجْوِبَتُهُمْ فِي هَذَا الْمَنْزَعِ الَّذِي لَا شَكَّ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مَا أَمَرَ بِهِ وَمُيْقَنٌ لَا يُعَزُّ مُرْتَكِبُهُ، وَرَحِمَ اللَّهُ سَيِّدِي ابْنَ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَائِلَ: بِدْعَةُ الضَّلَالَةِ أَنْ تَحْكُمَ عَلَى النَّازِلَةِ بِغَيْرِ مَا حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ، فَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ مُبْتَدِعًا بِهَذِهِ النِّسْبَةِ أَعْنِي الْقَائِلَ لَيْلَةُ الزَّمْرِ خَيْرٌ مِنْ لَيْلَةٍ بِالْفُقَرَاءِ.

وَمِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الْبَنَّاءِ إذَا جَعَلُوا لِلطَّرِيقِ رُكْنًا وَقَدْ ضَمَّنْت رِسَالَةً بَيَّنْت فِيهَا حُكْمَ الزَّوَايَا وَاَلَّذِينَ يَنْتَابُونَهَا مِنْ الْعَامَّةِ وَالطَّلَبَةِ يَجِبُ عَلَى مَنْ بِهِ رَغْبَةٌ فِي مُدْرَكِ حُكْمِ الشَّرْعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُطَالِعَهَا.

(كَجَمَاعَةٍ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: كَرِهَ مَالِكٌ اجْتِمَاعَ الْقُرَّاءِ يَقْرَءُونَ فِي سُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ.

وَرَآهَا بِدْعَةً.

قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>