إنَّمَا رُخِّصَ لِلرَّاكِبِ دُونَ الرَّاجِلِ رِفْقًا بِهِ لِمَشَقَّةِ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ (بِبَرٍّ) نَقَلَ فِي النُّكَتِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ: لَا يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فِي الْبَرِّ انْتَهَى.
اُنْظُرْ إذَا كَانَ الرَّاجِلُ لَا يَجْمَعُ فَلِمَ كَانَ يَنُصُّ عَلَى هَذَا فَانْظُرْ فِيهِ (وَإِنْ قَصُرَ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
(وَلَوْ لَمْ يَجِدَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ حَتَّى يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ وَيَخَافَ فَوَاتَ أَمْرٍ.
وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنِّي لَأَكْرَهُ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَهُوَ أَخَفُّ عِنْدِي لِلنِّسَاءِ.
ابْنُ رُشْدٍ: كَرَاهَةُ مَالِكٍ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَخَفَّفَهُ فِي الْمَرْأَةِ لِمَشَقَّةِ النُّزُولِ عَلَيْهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ مَعَ حَاجَتِهَا إلَى الِاسْتِتَارِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أُجِيزَ لِلرَّجُلِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ.
وَفِي الْمُوَطَّأِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» الْحَدِيثَ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ جَوَازُ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ.
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ إذْ «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ وَهُوَ نَازِلٌ غَيْرُ سَائِرٍ مَاكِثٌ فِي خِبَائِهِ وَفُسْطَاطِهِ يَخْرُجُ فَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إلَى خِبَائِهِ» فَفِيهِ أَقْوَى حُجَّةٍ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ شَرَطَ جِدَّ السَّيْرِ (بِلَا كُرْهٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُكْرَهُ الْجَمْعُ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَفِيهَا تَرْكُ الْجِدِّ لِإِدْرَاكِ أَمْرٍ مُهِمٍّ) تَقَدَّمَ النَّقْلُ بِهَذَا (بِمَنْهَلٍ زَالَتْ بِهِ وَنَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ) تُسَمَّى الْمَنَازِلُ الَّتِي فِي الْمَفَاوِزِ عَلَى طَرِيقِ السَّفَرِ مَنَاهِلَ.
ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ زَالَتْ بِمَنْهَلِهِ وَنَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ جَمَعَ بِهِ.
أَبُو عُمَرَ: ذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ: يَجْمَعُ مَتَى أَحَبَّ إمَّا فِي وَقْتِ الْأُولَى أَوْ فِي وَقْتِ الْآخِرَةِ، أَوْ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ.
ثُمَّ رَشَّحَ هَذَا إلَى أَنْ قَالَ: وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قِيلَ: هَلْ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِهِ، أَلَا تَرَى النَّاسَ بِعَرَفَةَ؟ فَهَذَا سَالِمٌ قَدْ نَزَعَ بِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا أَصْلٌ صَحِيحٌ لِمَنْ أَلْهَمَهُ اللَّهُ رُشْدَهُ وَلَمْ تَمِلْ بِهِ الْعَصَبِيَّةُ إلَى الْمُعَانَدَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَمْعَ لِلْمُسَافِرِ رُخْصَةٌ وَتَوْسِعَةٌ فَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ مُرَاعَاةِ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأَوَّلِ الْعَصْرِ لَكَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ ضِيقًا وَأَكْثَرَ حَرَجًا مِنْ الْإِتْيَانِ بِكُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا، وَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا لَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَبَيْنَ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ.
(وَقَبْلَ الِاصْفِرَارِ أَخَّرَ الْعَصْرَ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ ارْتِحَالُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَنُزُولُهُ قَبْلَ الِاصْفِرَارِ أَدَّى كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا (وَبَعْدَهُ خُيِّرَ فِيهَا) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ ارْتِحَالُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَانَ لَا يَنْزِلُ إلَّا بَعْدَ الِاصْفِرَارِ أَدَّى الصَّلَاتَيْنِ حِينَ ارْتِحَالِهِ.
هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ الثَّانِيَةَ وَهُوَ أَوْلَى.
ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: " قَالُوا مُخَيَّرٌ " - يُرِيدُ فِي تَأْخِيرِ الثَّانِيَةِ - لَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِ الشَّيْخَيْنِ (وَإِنْ زَالَتْ رَاكِبًا أَخَّرَهُمَا إنْ نَوَى الِاصْفِرَارَ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ رَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ، أَوْ نَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: جَائِزٌ تَأْخِيرُهُ جُمُعَةً قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَجْمَعُهُمَا لِوَقْتَيْهِمَا فَلَوْ جَمَعَ عِنْدَ الزَّوَالِ فَرَوَى عَلِيٌّ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ (أَوْ قَبْلَهُ)