للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ عَنْ عَرْضٍ قَبْلَ بَيْعِهِ وَقَدْ مَضَى حَوْلٌ فَلَا يُجْزِئُهُ، وَأَمَّا إذَا نُقِلَتْ لِدُونِهِمْ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَنَحْوِهِ فِي الْكَافِي أَنَّهَا تُجْزِئُ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ سَحْنُونٍ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَضَعَ زَكَاتَهُ فِي غَيْرِ قَرْيَتِهِ إذَا كَانَ فِي قَرْيَتِهِ ضُعَفَاءُ يُرِيدُ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ زَرَعَ مِنْ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ زَكَاتِهِ إلَى ضُعَفَاءَ عِنْدَهُ بِالْحَاضِرَةِ.

وَقَالَ أَيْضًا: وَاسِعٌ أَنْ يَبْعَثَ مِنْ زَكَاتِهِ إلَى الْعِرَاقِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤْثِرَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَالزَّكَاةُ لَيْسَتْ لِمَسَاكِينَ بِأَعْيَانِهِمْ فَتُضْمَنُ إنْ دُفِعَتْ إلَى غَيْرِهِمْ. وَأَمَّا أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تُجْزِئُ إنْ دُفِعَتْ لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ أَعْطَاهَا لِغَنِيٍّ أَوْ لِعَبْدٍ أَوْ لِنَصْرَانِيٍّ وَهُوَ عَالِمٌ لَمْ تَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَكَانَتْ قَائِمَةً بِأَيْدِيهِمْ اُنْتُزِعَتْ مِنْهُمْ وَصُرِفَتْ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا. فَإِنْ أَكَلُوهَا غَرِمُوهَا عَلَى الْمُسْتَحْسَنِ مِنْ الْقَوْلِ لِأَنَّهُمْ صَانُوا بِهَا أَمْوَالَهُمْ، وَإِنْ هَلَكَتْ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ غَرِمُوهَا إنْ غَرِمُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَغْرَمُوا لَمْ يَغْرَمُوهَا.

وَهَلْ يَغْرَمُهَا مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَكَذَا الْإِمَامُ وَمَنْ جُعِلَ لَهُ تَفْرِيقُهَا؟ اُنْظُرْهُ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ قَبْلَهُمْ فِيمَنْ أَعْطَى مِنْ زَكَاتِهِ غَنِيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا وَهُوَ لَا يَعْرِفُ. قِيلَ: إنَّهُ قَدْ اجْتَهَدَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إنَّهُ لَا تُجْزِئُهُ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا عَدَمُ إجْزَاءِ الزَّكَاةِ إنْ طَاعَ لِدَفْعِهَا لِجَائِرٍ. فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَحْتَجِزَ مِنْ زَكَاتِهِ عَنْ الْوَالِي مَا يُعْطَى لِلْمُحْتَاجِ؟ قَوْلَانِ وَبِالْجَوَازِ أَقُولُ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِخْرَاجِ حَقِّ مُسْلِمٍ مِنْ يَدِ غَاصِبٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ شَرْعًا. اللَّخْمِيِّ: إذَا كَانَ الْإِمَامُ غَيْرُ عَدْلٍ وَمَكَّنَهُ صَاحِبُهُ مِنْهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إخْفَائِهَا عَنْهُ لَمْ تُجْزِهِ وَوَجَبَ إعَادَتُهَا انْتَهَى.

وَنَحْوُ هَذَا عِبَارَةُ التُّونِسِيِّ. ابْنُ رُشْدٍ: الْأَصَحُّ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَقَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَأَصْبَغَ إنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْوُلَاةُ مِنْ الصَّدَقَاتِ تُجْزِئُ وَإِنْ لَمْ يَضَعُوهَا مَوْضِعَهَا لِأَنَّ دَفْعَهَا إلَيْهِمْ وَاجِبٌ لِمَا فِي مَنْعِهَا مِنْ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ الْمُؤَدِّي إلَى الْهَرْجِ وَالْفَسَادِ، فَإِذَا وَجَبَ أَنْ تُدْفَعَ إلَيْهِمْ وَجَبَ أَنْ تُجْزِئَ. وَانْظُرْ إذَا أَخَذَ الْوَالِي مِنْ التَّرِكَةِ ثِقَافًا هَلْ يَتَرَاجَعُ فِيهِ الْوَرَثَةُ؟ بِهَذَا جَرَتْ فُتْيَا ابْنِ لُبٍّ إلَى هَلُمَّ جَرًّا.

وَقَدْ أَشَارَ السَّيِّدُ الْبُرْزُلِيِّ إلَى تَرْشِيحِ هَذَا فِي نَوَازِلِهِ وَأَنَّهُ يَجْرِي عَلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِدَفْعِ الزَّكَاةِ لَهُمْ قَالَ: وَعَلَى هَذَا فُتْيَا ابْنِ عَبْدِ الرَّفِيعِ فِي رَجُلٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ هَرَبَ فَأُجْبِرَ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ لِلْوَالِي عَنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ الْهَارِبِ فَحُكِمَ بِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْغَرِيمِ قَالَ: وَمِثْلُ هَذَا قَسْمُ الْغَاصِبِ، وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْجِهَادِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " إلَّا لِتَأَوُّلٍ عَلَى الْأَحْسَنِ " وَانْظُرْ أَيْضًا آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ.

رَوَى ابْنُ نَافِعٍ: مَنْ جَحَدَ نِصْفَ مَا عِنْدَهُ وَصُدِّقَ وَأَخَذَ بِزَكَاةِ ضَعْفِهِ ظَالِمٌ لَمْ يُجْزِهِ عَمَّا جَحَدَ. الْبُرْزُلِيِّ: هَذَا مَعْنَى فُتْيَا شُيُوخِنَا إذَا أَخَذَهَا الظَّالِمُ بِغَيْرِ اسْمِ الزَّكَاةِ فَلَا تُجْزِئُ، وَأَمَّا إنْ طَاعَ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ جَبَرَهُ الْمُصَدِّقُ عَلَى إنْ أَدَّى فِي صَدَقَتِهِ دَرَاهِمَ رَجَوْت أَنْ يُجْزِئَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِقِيمَةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَكَانَتْ عِنْدَ مَحِلِّهَا.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَخَذَهُ بِزَكَاةِ زَرْعِهِ بَعْدَمَا يَبِسَ أَوْ بِزَكَاةِ غَنَمِهِ أَوْ مَالِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ، فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ مَحِلِّهَا أَجْزَأَهُ وَالزَّرْعُ أَبْيَنُهُ.

قَالَ عِيسَى: سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الْعَامِلِ يَقِفُ عَلَى الرَّجُلِ فِي زَكَاةِ زَرْعِهِ أَوْ صَدَقَةِ مَاشِيَتِهِ فَيُقَاطِعُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>