قَوْلُ ابْنِ الْجَهْمِ أَنَّهُ يُزَكِّي التِّسْعَةَ عَشَرَ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ زَكَاتَهُ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ حَظُّهُمْ فِيهِ، وَلَمَّا ضَاعَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَقَدْ ضَاعَ قَبْلَ إمْكَانِ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ فَهُوَ كَضَيَاعِهِ قَبْلَ حَوْلِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِيمَا بَقِيَ
(كَعَزْلِهَا فَضَاعَتْ) مَالِكٌ: لَوْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ حِينَ وَجَبَتْ لِيَبْعَثَ بِهَا لِمَنْ يُفَرِّقُهَا فَسُرِقَتْ أَوْ بَعَثَ بِهَا فَسَقَطَتْ لَأَجْزَأَتْهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْمَالَ لَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَإِمْكَانِ الْأَدَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، فَهَلَاكُ الزَّكَاةِ بَعْدَ إخْرَاجِهَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فِي وُصُولِهَا إلَى الْفُقَرَاءِ كَتَلَفِهَا مَعَ جُمْلَةِ الْمَالِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إنْ أَخْرَجَهَا قُرْبَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِأَيَّامٍ فَتَلِفَتْ ضَمِنَهَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ثُمَّ إنْ وَجَدَهَا بَعْدَ أَنْ تَلِفَ مَالُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُنَفِّذْهَا مِنْ زَكَاتِهِ وَلَا شَيْءَ لِأَهْلِ الدَّيْنِ فِيهَا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ ضَيَاعُهَا مِنْ الْمَسَاكِينِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ إذَا وُجِدَتْ (لَا إنْ ضَاعَ أَصْلُهَا) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالِهِ فَسُرِقَ مِنْهُ الْمَالُ وَبَقِيَتْ الزَّكَاةُ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يُخْرِجَهَا وَلَا يَحْبِسَهَا. ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ وَإِنْ سُرِقَ مِنْهُ الْمَالُ بِالْقُرْبِ فِي مَوْضِعِ الَّذِي لَوْ تَلِفَ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ الزَّكَاةَ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ الزَّكَاةِ. وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى إخْرَاجَ الزَّكَاةِ عِنْدَ مَحِلِّهَا قِسْمَةً صَحِيحَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ضَمَانُ الْمَالِ مِنْهُ دُونَهُمْ كَمَا يَكُونُ ضَمَانُ الزَّكَاةِ الْمُخَرَّجَةِ مِنْهُمْ دُونَهُ إلَّا أَنْ يُمْسِكَهَا بَعْدَ إخْرَاجِهَا فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا بِالتَّعَدِّي مِنْهُ فِي حَبْسِهَا، وَأَمَّا لَوْ سُرِقَ مِنْهُ الْمَالُ عَلَى بُعْدٍ مِنْ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ لَمْ يَشْكُلْ أَنَّ عَلَيْهِ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ. (وَضَمِنَ إنْ أَخَّرَهَا عَنْ الْحَوْلِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ حَالَ الْحَوْلُ فَفَرَّطَ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ حَتَّى ضَاعَ ضَمِنَ الزَّكَاةَ.
(أَوْ أَدْخَلَ عُشْرَهُ مُفَرِّطًا لَا مُحَصَّنًا وَإِلَّا فَتَرَدُّدٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَصَدَ زَرْعَهُ وَجَذَّ ثَمَرَهُ فِيهِ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ وَلَمْ يُدْخِلْهُ بَيْتَهُ حَتَّى ضَاعَ الْقَمْحُ مِنْ الْأَنْدَرِ وَالتَّمْرُ مِنْ الْجَرِينِ فَلَا يَضْمَنُ زَكَاتَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَزَلَ عُشْرَ ذَلِكَ فِي أَنْدَرِهِ لِيُفَرِّقَهُ فَضَاعَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالِهِ عِنْدَ مَحِلِّهَا لِيُفَرِّقَهَا فَضَاعَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَذَا.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ أَدْخَلَ ذَلِكَ بَيْتَهُ قَبْلَ قُدُومِ الْمُصَدِّقِ فَضَاعَ ضَمِنَ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ ضَيَّعَ أَوْ فَرَّطَ حَتَّى تَلِفَ فَهُوَ ضَامِنٌ بِاتِّفَاقٍ، سَوَاءٌ أَدْخَلَهُ مَنْزِلَهُ أَوْ لَمْ يُدْخِلْهُ ضَاعَ جَمِيعُهُ أَوْ عُشْرُهُ.
وَقَالَ التُّونِسِيُّ: إنْ خَشِيَ عَلَى عُشْرِهِ فِي الْأَنْدَرِ فَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ عَلَى بَابِ الْحِرْزِ لَهُ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ وَإِنَّمَا يُخْتَلَفُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ عَلَى أَيِّ الْوَجْهَيْنِ أَدْخَلَهُ مَنْزِلَهُ، فَمَرَّةً ضَمَّنَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute