للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَافِرِينَ فَكَيْفَ يُمْتَحَنُونَ؟ وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِهِ نَذِيرٌ وَلَا رَسُولٌ، فَكَيْفَ يُؤْمَرُ أَنْ يَقْتَحِمَ النَّارَ وَهِيَ أَشَدُّ الْعَذَابِ؟ وَالطِّفْلُ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ أَحْرَى بِأَلَّا يُمْتَحَنَ بِذَلِكَ.

فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ أَحَادِيثَ هَذَا الْبَابِ قَدْ تَضَافَرَتْ، وَكَثُرَتْ بِحَيْثُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَقَدْ صَحَّحَ الْحُفَّاظُ بَعْضَهَا كَمَا صَحَّحَ الْبَيْهَقِيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُهُمَا حَدِيثَ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ.

وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ، وَرِوَايَةُ مَعْمَرٍ لَهُ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا لَا تَضُرُّهُ، فَإِنَّا إِنْ سَلَكْنَا طَرِيقَ الْفُقَهَاءِ، وَالْأُصُولِيِّينَ فِي الْأَخْذِ بِالزِّيَادَةِ مِنَ الثِّقَةِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ سَلَكْنَا طَرِيقَ التَّرْجِيحِ - وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُحَدِّثِينَ - فَلَيْسَ مَنْ رَفَعَهُ بِدُونِ مَنْ وَقَفَهُ فِي الْحِفْظِ، وَالْإِتْقَانِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ غَايَةَ مَا يُقَدَّرُ فِيهِ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الصَّحَابِيِّ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الصَّحَابِيُّ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ، بَلْ يُجْزَمُ بِأَنَّ ذَلِكَ تَوْقِيفٌ لَا عَنْ رَأْيٍ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَإِنَّهَا قَدْ تَعَدَّدَتْ طُرُقُهَا، وَاخْتَلَفَتْ مَخَارِجُهَا، فَيَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ تَكُونَ بَاطِلَةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهَا، وَقَدْ رَوَاهَا أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ وَدَوَّنُوهَا، وَلَمْ يَطْعَنُوا فِيهَا.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهَا هِيَ الْمُوَافِقَةُ لِلْقُرْآنِ، وَقَوَاعِدِ الشَّرْعِ، فَهِيَ تَفْصِيلٌ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآنُ أَنَّهُ لَا يُعَذَّبُ أَحَدٌ إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ تَقُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>