فَقَدْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ مَعَ وُجُودِ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ مِنْ غَيْرِ سِبَاءٍ، وَلَا رِقٍّ حَادِثٍ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ هَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُنْفَرِدًا عَنْ أَبَوَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا عَلَيْهِ حُكْمٌ فِي الدَّارِ الَّتِي حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا عَلَيْهِ دُونَ أَبَوَيْهِ، كَانَ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ بِانْقِطَاعِ تَبَعِيَّتِهِ لَهُمَا، فَإِذَا خَرَجَ إِلَيْهِمَا، وَهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ خَرَجَ إِلَيْهَا، وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَلَمْ يَجْرِ الْحُكْمُ بِكُفْرِهِ، فَالدَّارُ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا حُكْمًا كَمَا فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا حِسًّا.
فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُكُمْ هَذَا فِيمَا إِذَا كَانَ الطِّفْلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَأَبَوَاهُ فِي دَارٍ أُخْرَى مِنْ دُورِ الْحَرْبِ غَيْرِهَا، قِيلَ: مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَنَحْنُ لَا نَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَدَارُ الْحَرْبِ دَارٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ بِلَادُهَا، فَمَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلَيْسَ لَنَا عَلَيْهِ حُكْمٌ، فَإِذَا صَارَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ظَهَرَ حُكْمُ الدَّارِ فِي الْحَالِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ لِأَبَوَيْهِ عَلَيْهِ فِيهَا حُكْمٌ، وَكَانَ حُكْمُهُ فِيهَا حُكْمَ مَنِ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا صَارَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَوِلَايَتُهُ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ أَبَوَيْهِ.
وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ حُكِمَ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ فِي الْحَالِ الَّتِي لَا وِلَايَةَ لِأَبَوَيْهِ عَلَيْهِ فِيهَا.
[فَصْلٌ اخْتِلَاطُ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِأَبْنَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]
١٧٦ - فَصْلٌ
[اخْتِلَاطُ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِأَبْنَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ] .
الْجِهَةُ الرَّابِعَةُ: تَبَعِيَّةُ الدَّارِ، وَذَلِكَ فِي صُوَرٍ:
إِحْدَاهَا: هَذِهِ الصُّورَةُ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا أَحْمَدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute