وَبَيْنَهُمْ مُنَاظَرَاتٌ وَرَدٌّ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَهُمْ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ - كَمَا أَنَّ الْيَهُودَ قَوْمُ مُوسَى - وَالْحُنَفَاءُ مِنْهُمْ أَتْبَاعُهُ.
وَبِالْجُمْلَةِ: فَالصَّابِئَةُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْمَجُوسِ، فَأَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمَجُوسِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَخْذِهَا مِنَ الصَّابِئَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَإِنَّ الْمَجُوسَ مِنْ أَخْبَثِ الْأُمَمِ دِينًا وَمَذْهَبًا وَلَا يَتَمَسَّكُونَ بِكِتَابٍ وَلَا يَنْتَمُونَ إِلَى مِلَّةٍ وَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ كِتَابٌ وَلَا شُبْهَةُ كِتَابٍ أَصْلًا.
وَلِهَذَا لَمَّا ظَهَرَتْ فَارِسُ عَلَى الرُّومِ فَرِحَ الْمُشْرِكُونَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ مِثْلُهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَسَاءَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ لِأَنَّ النَّصَارَى أَقْرَبُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَجُوسِ مِنْ أَجْلِ كِتَابِهِمْ وَكُلُّ مَا عَلَيْهِ الْمَجُوسُ مِنَ الشِّرْكِ، فَشِرْكُ الصَّابِئَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَخَفَّ مِنْهُ فَلَيْسَ بِأَعْظَمَ مِنْهُ.
وَقَدْ تَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ فِي مَوْضِعٍ، وَقَطَعَ بِأَخْذِهَا مِنْهُمْ فِي مَوْضِعٍ وَعَلَّقَ الْقَوْلَ فِي مَوْضِعٍ كَمَا حَكَيْنَا لَفْظَهُ.
[فَصْلٌ فِي حُكْمِ اسْتِسْلَافِ الْجِزْيَةِ]
٣٥ - فَصْلٌ
[فِي حُكْمِ اسْتِسْلَافِ الْجِزْيَةِ]
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَسْلِفَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ؟
قُلْنَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إِلَّا بِرِضَاهُمْ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْلِفَ الزَّكَاةَ إِلَّا بِرِضَا رَبِّ الْمَالِ، بَلِ الْجِزْيَةُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَبِالْمَوْتِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute