وَلَمَّا كَانَتِ الدَّعْوَةُ إِلَى الْبَاطِلِ مُسْتَلْزِمَةً - وَلَا بُدَّ - لِلطَّعْنِ فِي الْحَقِّ، كَانَ دُعَاؤُهُمْ إِلَى دِينِهِمْ وَتَرْغِيبِهِمْ فِيهِ طَعْنًا فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: ١٢] وَلَا رَيْبَ أَنَّ الطَّعْنَ فِي الدِّينِ أَعْظَمُ مِنَ الطَّعْنِ بِالرُّمْحِ وَالسَّيْفِ، فَأَوْلَى مَا انْتَقَضَ بِهِ الْعَهْدُ الطَّعْنُ فِي الدِّينِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا عَلَيْهِمْ، فَالشَّرْطُ مَا زَادَهُ إِلَّا تَأْكِيدًا وَقُوَّةً.
[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَتَّخِذُ مِنَ الرَّقِيقِ الَّذِي جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ]
٢٣٣ - فَصْلٌ
قَوْلُهُمْ: " وَلَا نَتَّخِذُ مِنَ الرَّقِيقِ الَّذِي جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ "
يَتَضَمَّنُ أَنَّهُمْ لَا يَتَمَلَّكُونَ رَقِيقًا مِنْ سَبْيِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ، فَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ إِذَا اسْتَرَقَّ الْإِمَامُ السَّبْيَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُمْ مِنْ كَافِرٍ ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا، صِغَارًا كَانُوا أَوْ كِبَارًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ بَيْعُهُمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ أَهْلِ الْحَرْبِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ بَيْعُهُمْ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ.
فَأَمَّا مَذْهَبُ مَالِكٍ فَقَالَ فِي " الْجَوَاهِرِ ": إِنِ اشْتَرَى الْكَافِرُ بَالِغًا عَلَى دِينِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ شِرَائِهِ إِذَا كَانَ يَسْكُنُ بِهِ فِي بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُبَاعُ لِمَنْ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ لِمَا يُخْشَى مِنْ إِطْلَاعِهِ أَهْلَ الْحَرْبِ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute