الْخِلْقَةِ مَمْدُوحٌ وَنَقْصَهَا مَذْمُومٌ، فَكَيْفَ تَكُونُ قَبْلَ النَّقْصِ لَا مَمْدُوحَةً وَلَا مَذْمُومَةً.
[فَصْلٌ الْفِطْرَةُ لَوْ تُرِكَتْ لَاخْتَارَتِ الْإِيمَانَ عَلَى الْكُفْرِ]
١٩١ - فَصْلٌ
[الْفِطْرَةُ لَوْ تُرِكَتْ لَاخْتَارَتِ الْإِيمَانَ عَلَى الْكُفْرِ] .
وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْقَوْلِ مَا قَالَتْهُ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ " إِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ وُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ الَّتِي لَوْ تُرِكَتْ عَلَى صِحَّتِهَا لَاخْتَارَتِ الْمَعْرِفَةَ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَالْإِيمَانَ عَلَى الْكُفْرِ، وَلَكِنْ بِمَا عَرَضَ لَهَا مِنَ الْفَسَادِ خَرَجَتْ عَنْ هَذِهِ الصِّحَّةِ، فَهَذَا الْقَوْلُ قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ، فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَقُولُ: فِي الْفِطْرَةِ قُوَّةٌ تَمِيلُ بِهَا إِلَى الْمَعْرِفَةِ وَالْإِيمَانِ كَمَا فِي الْبَدَنِ الصَّحِيحِ قُوَّةٌ يُحِبُّ بِهَا الْأَغْذِيَةَ النَّافِعَةَ، وَبِهَذَا كَانَتْ مَحْمُودَةً، وَذُمَّ مَنْ أَفْسَدَهَا.
لَكِنْ يُقَالُ: فَهَذِهِ الْفِطْرَةُ الَّتِي فِيهَا هَذِهِ الْقُوَّةُ، وَالْقَبُولُ، وَالِاسْتِعْدَادُ، وَالصَّلَاحِيَّةُ هَلْ هِيَ كَافِيَةٌ فِي حُصُولِ الْمَعْرِفَةِ، أَوْ تَقِفُ الْمَعْرِفَةُ عَلَى أَدِلَّةٍ تَتَعَلَّمُهَا مِنْ خَارِجُ؟ فَإِنْ كَانَتِ الْمَعْرِفَةُ تَقِفُ عَلَى أَدِلَّةٍ تَتَعَلَّمُهَا مِنْ خَارِجُ أَمْكَنَ أَنْ تُوجَدَ تَارَةً، وَتُعْدَمَ أُخْرَى، ثُمَّ ذَلِكَ السَّبَبُ الْخَارِجُ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْمَعْرِفَةِ بِنَفْسِهِ، بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مُعَرَّفًا، وَمُذَكَّرًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ إِنْ وَجَبَ حُصُولُ الْمَعْرِفَةِ كَانَتِ الْمَعْرِفَةُ وَاجِبَةَ الْحُصُولِ عِنْدَ وُجُودِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ، وَإِلَّا فَلَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ فِيهَا إِلَّا قَبُولُ الْمَعْرِفَةِ، وَالْإِيمَانِ إِذَا وَجَدَتْ مَنْ يُعَلِّمُهَا أَسْبَابَ ذَلِكَ، وَأَسْبَابَ ضِدِّهِ مِنَ التَّهْوِيدِ، وَالتَّنْصِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute