أَمَّا قَوْلُهُ: " لِأَنَّ الْأَرْبَعَ زَوْجَاتٍ لَا يَبِنَّ مِنْهُ إِلَّا بِطَلَاقٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ " فَلَا رَيْبَ أَنَّ اخْتِيَارَهُ تَرْكَهُنَّ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّلَاقِ فِي إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ، فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ: " اخْتَرْتُ تَرْكَهُنَّ " كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: " اخْتَرْتُ فِرَاقَهُنَّ "، وَهَذَا كَافٍ فِي مُفَارَقَتِهِنَّ، وَاخْتِيَارُهُ بَعْضَهُنَّ فَسْخٌ لِنِكَاحِ مَنْ عَدَا الْمُخْتَارَاتِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " اخْتَرْتُ هَذِهِ " هُوَ اخْتِيَارٌ لَهَا، وَمُفَارَقَةٌ لِمَنْ عَدَاهَا، كَمَا لَوْ قَالَ: " اخْتَرْتُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ " فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمْهُ أَنْ يُطَلِّقَ الْأَرْبَعَ الْبَوَاقِيَ، بَلْ بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِهِ لِلْأَرْبَعِ تَبِينُ مِنْهُ الْبَوَاقِي.
فَإِنْ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنَّهُ إِذَا اخْتَارَ أَرْبَعًا كُنَّ هُنَّ الزَّوْجَاتِ، فَانْفَسَخَ نِكَاحُ مَنْ سِوَاهُنَّ لِزِيَادَتِهِنَّ عَلَى النِّصَابِ فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُطَلِّقَهُنَّ، وَلَا يُنْشِئَ مَا يَقُومُ مَقَامَ طَلَاقَهُنَّ، بِخِلَافِ مَا إِذَا اخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْ ثَمَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ اخْتِيَارُهَا فِرَاقًا لِمَنْ عَدَاهَا، فَلِهَذَا أَمَرْنَاهُ بِطَلَاقِ أَرْبَعٍ أَوْ تَمَامِ أَرْبَعٍ، قِيلَ: هَذَا لَا يَصِحُّ أَوَّلًا لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ فِرَاقَ الْجَمِيعِ أَوْ مَنْ عَدَا الْمُخْتَارَةَ، فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِطَلَاقِ أَرْبَعٍ وَهُوَ يُرِيدُ فِرَاقَ الثَّمَانِ؟ هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ.
وَقَوْلُهُ: " اخْتَرْتُ تَرْكَهُنَّ وَمُفَارَقَتَهُنَّ " وَنَحْوُ ذَلِكَ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّلَاقِ، وَكَافٍ فِي فَسْخِ نِكَاحِهِنَّ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ: " اخْتَرْتُ هَذِهِ " جُعِلَ إِبْقَاءً لِنِكَاحِ الْمُخْتَارَةِ، وَفَسْخًا لِنِكَاحِ مَنْ عَدَاهَا كَمَا لَوْ قَالَ: " اخْتَرْتُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ ".
[فَصْلٌ فَإِنْ قَالَ كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ اخْتَرْتُهَا]
١٣٥ - فَصْلٌ
فَإِنْ قَالَ: " كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ اخْتَرْتُهَا "، فَقَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى الشُّرُوطِ، وَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute