الْمَانِعِينَ مِنْ تَعْلِيَةِ الْبِنَاءِ جَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْإِسْلَامِ، وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ: " «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى» ". وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِعْلَاءَ رُتْبَةٍ لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ مَمْنُوعُونَ مِنْ ذَلِكَ.
قَالُوا: وَلِهَذَا يُمْنَعُونَ مِنْ صُدُورِ الْمَجَالِسِ وَيُلْجَئُونَ إِلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ، فَإِذَا مُنِعُوا مِنْ صُدُورِ الْمَجَالِسِ - وَالْجُلُوسُ فِيهَا عَارِضٌ - فَكَيْفَ يُمَكَّنُونَ مِنَ السُّكْنَى اللَّازِمَةِ فَوْقَ رُءُوسِ الْمُسْلِمِينَ؟ وَإِذَا مُنِعُوا مِنْ وَسَطِ الطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكِ - وَالْمُرُورُ فِيهِ عَارِضٌ - فَأُزِيلُوا مِنْهُ إِلَى أَضْيَقِهِ وَأَسْفَلِهِ كَمَا صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ اضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهِ» " فَكَيْفَ يُمَكَّنُونَ أَنْ يَعْلُوا فِي السُّكْنَى الدَّائِمَةِ رِقَابَ الْمُسْلِمِينَ؟ هَذَا مِمَّا تَدْفَعُهُ أُصُولُ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدُهُ.
وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ: " إِنَّهُمْ إِذَا مَلَكُوا دَارًا عَالِيَةً مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يَجِبْ نَقْضُهَا ". إِنْ أَرَادُوا بِهِ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ مِلْكِهِمْ عَلَيْهَا فَصَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادُوا بِهِ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مَنْ سُكْنَاهَا فَوْقَ رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ فَمَرْدُودٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ فِي " الْمُغْنِي " وَصَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، وَلَكِنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي " الْإِمْلَاءِ " أَنَّهُ إِذَا مَلَكَهَا بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute