للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ كَانَ الْيَهُودُ يَلْبَسُونَهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ وَحَوْلَهَا وَيَرْتَدُونَ وَيَفْرِقُونَ رُءُوسَهُمْ وَيَلْبَسُونَ الْعَمَائِمَ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ: " «إِنَّ الْيَهُودَ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ فَخَالِفُوهُمْ» ". وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ مَا اتُّبِعَ، وَلَمْ يُلْزِمْهُمْ بِالْغِيَارِ وَلَا خَلِيفَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

قِيلَ: إِنَّمَا اعْتَمَدَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ بَعْدَهُ فِي الْغِيَارِ سُنَّتَهُ، فَإِنَّهُ أَرْشَدَ إِلَى مُخَالَفَتِهِمْ وَالنَّهْيِ عَنْهُمْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ إِلْزَامُهُمْ بِالْغِيَارِ إِذْ ذَاكَ مُمْكِنًا؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُونُوا قَدِ اسْتَوْلَوْا عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَهَرُوهُمْ وَأَذَلُّوهُمْ وَمَلَكُوا بِلَادَهُمْ، بَلْ كَانَتْ أَكْثَرُ بِلَادِهِمْ لَهُمْ وَهُمْ فِيهَا أَهْلُ صُلْحٍ وَهُدْنَةٍ، فَكَانَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ إِذْ ذَاكَ أَمْرُ الْمُسْلِمِينَ مُخَالَفَتَهُمْ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَمْصَارَ الْكُفَّارِ وَمَلَّكَهُمْ دِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَصَارُوا تَحْتَ الْقَهْرِ وَالذُّلِّ وَجَرَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ أَلْزَمَهُمُ الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ وَالْإِمَامُ الْعَدْلُ الَّذِي ضَرَبَ اللَّهُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ - عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - بِالْغِيَارِ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ وَاتَّبَعَهُ الْأَئِمَّةُ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا قَصَّرَ فِي هَذَا مِنَ الْمُلُوكِ مَنْ قَلَّتْ رَغْبَتُهُ فِي نَصْرِ الْإِسْلَامِ وَإِعْزَازِ أَهْلِهِ وَإِذْلَالِ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ.

وَقَدِ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وُجُوبِ إِلْزَامِهِمْ بِالْغِيَارِ، وَأَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالْمُسْلِمِينَ فِي زِيِّهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>