للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُنْسَبُ إِلَى الْجِنَايَةِ.

الثَّانِي: أَنَّ سَبَبَ الْحَقِّ يَتَحَدَّدُ فِي مَسْأَلَةِ النَّفَقَةِ وَالضِّيَافَةِ قِيَاسًا، فَتَمْتَنِعُ الدَّعْوَى فِيهِ كُلَّ وَقْتٍ، وَالرَّفْعُ إِلَى الْحَاكِمِ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ مَا لَا يُنْكَرُ سَبَبُهُ.

إِذَا عُرِفَ هَذَا فَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَشْتَرِطْ قَدْرَ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالْعَلَفِ فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى عَادَةِ كُلِّ قَوْمٍ وَعُرْفِهِمْ وَمَا لَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَجُوزُ لِلضَّيْفِ أَنْ يُكَلِّفَهُمُ اللَّحْمَ وَالدَّجَاجَ وَلَيْسَ ذَلِكَ غَالِبَ قُوتِهِمْ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَ مَا يَبْذُلُونَهُ مِنْ طَعَامِهِمُ الْمُعْتَادِ كَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْإِطْعَامَ فِي الْكَفَّارَةِ مِنْ أَوْسَطِ مَا يُطْعِمُ الْمُكَفِّرُ أَهْلَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَكَمَا أَوْجَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّفَقَةَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ بِالْعُرْفِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ. فَهَذِهِ سُنَّتُهُ وَسُنَّةُ خُلَفَائِهِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَهَذِهِ الضِّيَافَةُ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْجِزْيَةِ، وَلَا تَلْزَمُهُمْ إِلَّا بِالشَّرْطِ، وَيَكْفِي شَرْطُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَمَرِّ الْأَزْمَانِ سَوَاءٌ شَرَطَهُ عَلَيْهِمْ مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَوْ لَمْ يَشْرُطْهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ سُنَّةٌ مُسْتَمِرَّةٌ، وَلِهَذَا عَمِلَ بِهِ الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ، وَاحْتَجَّ الْفُقَهَاءُ بِالشُّرُوطِ الْعُمَرِيَّةِ وَأَوْجَبُوا اتِّبَاعَهَا.

هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، كَمَا أَنَّ شَرْطَهُ عَلَيْهِمْ فِي الْجِزْيَةِ مُسْتَمِرٌّ وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْهُ عَلَيْهِمْ إِمَامُ الْوَقْتِ، وَكَذَلِكَ عَقْدُ الذِّمَّةِ لِمَنْ بَلَغَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ لَهُمُ الْإِمَامُ الذِّمَّةَ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَتُقَسَّمُ الضِّيَافَةُ عَلَى عَدَدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَعَلَى حَسَبِ الْجِزْيَةِ الَّتِي شَرَطَهَا، فَيُقَسَّمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>