ذَكَرَ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْآيَةَ عَقِيبَ قَوْلِهِ: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} [التوبة: ٦١] فَجَعَلَهُمْ مُؤْذِينَ لَهُ بِقَوْلِهِمْ: (هُوَ أُذُنٌ) ثُمَّ قَالَ: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة: ٦٣] فَجَعَلَهُمْ بِهَذَا مُحَادِّينَ، وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ مَسَبَّةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالطَّعْنَ فِي دِينِهِ أَعْظَمُ مُحَادَّةً لَهُ وَلِرَسُولِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُحَادٌّ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} [المجادلة: ٢٠] وَالْأَذَلُّ أَبْلَغُ مِنَ الذَّلِيلِ، وَلَا يَكُونُ أَذَلَّ حَتَّى يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ دَمُهُ وَمَالُهُ مَعْصُومًا لَا يُسْتَبَاحُ فَلَيْسَ بِأَذَلَّ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [آل عمران: ١١٢] فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ أَيْنَمَا ثُقِفُوا فَعَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ إِلَّا مَعَ الْعَهْدِ، فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ لَهُ عَهْدٌ وَحَبْلٌ يَأْمَنُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ لَا ذِلَّةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ الْمَسْكَنَةُ، فَإِنَّ الْمَسْكَنَةَ قَدْ تَكُونُ مَعَ عَدَمِ الذِّلَّةِ، وَقَدْ جَعَلَ سُبْحَانَهُ الْحَادِّينَ فِي الْأَذَلِّينَ، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ عَهْدٌ؛ إِذِ الْعَهْدُ يُنَافِي الذِّلَّةَ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْأَذَلَّ لَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ يَمْتَنِعُ بِهَا مِمَّنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ، فَإِذَا كَانَ لَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَهْدٌ يَجِبُ عَلَيْهِمْ بِهِ نَصْرُهُ وَمَنْعُهُ فَلَيْسَ بِأَذَلَّ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُحَادَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يَكُونُ لَهُ عَهْدٌ يَعْصِمُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute