تُحْسِنُ إِلَيْهِ وَتُكَرِّرُ الشَّتْمَ، وَكِلَاهُمَا قَتَلَهَا وَحْدَهُ، وَكِلَاهُمَا نَشَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا النَّاسَ، بَعِيدٌ فِي الْعَادَةِ.
وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْمَقْتُولَةُ يَهُودِيَّةٌ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَا قِصَّتَيْنِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَدُلُّ عَلَى قَتْلِ الذِّمِّيِّ الْمُعَاهِدِ وَانْتِقَاضِ عَهْدِهِ بِالسَّبِّ، قِيلَ: هَذَا ظَنَّهُ بَعْضُ النَّاسِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ بِالسُّنَّةِ كَثِيرُ عِلْمٍ، وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ كَانَتْ مُوَادَعَةً مُهَادَنَةً؛ إِذِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَادَعَ جَمِيعَ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بِهَا مُوَادَعَةً مُطْلَقَةً، وَلَمْ يَضْرِبْ عَلَيْهِمْ جِزْيَةً، وَهَذَا مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ التَّوَاتُرِ بَيْنَهُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: " لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ الْمَدِينَةَ وَادَعَ يَهُودَ كَافَّةً عَلَى غَيْرِ جِزْيَةٍ» "، وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَدِينَةَ كَانَ فِيمَا حَوْلَهَا ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ مِنَ الْيَهُودِ: بَنُو قَيْنُقَاعَ، وَبَنُو النَّضِيرِ، وَبَنُو قُرَيْظَةَ. وَكَانَ بَنُو قَيْنُقَاعَ وَبَنُو النَّضِيرِ حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، وَكَانَتْ قُرَيْظَةُ حُلَفَاءَ الْأَوْسِ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَادَنَهُمْ وَوَادَعَهُمْ مَعَ إِقْرَارِهِ لَهُمْ وَلِمَنْ كَانَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ حُلَفَاءِ الْأَنْصَارِ عَلَى حِلْفِهِمْ وَعَهْدِهِمُ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ حَتَّى إِنَّهُ عَاهَدَ الْيَهُودَ أَنْ يُعِينُوهُ إِذَا حَارَبَ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ بَنُو قَيْنُقَاعَ ثُمَّ النَّضِيرُ ثُمَّ قُرَيْظَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute