وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ذُكِرَ لَهُ أَنَّهَا قُتِلَتْ نَشَدَ النَّاسَ فِي أَمْرِهَا، فَلَمَّا ذُكِرَ لَهُ ذَنْبُهَا أَبْطَلَ دَمَهَا، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَكَمَ بِأَمْرٍ [عَقِبَ] حِكَايَةِ حَالٍ حُكِيَتْ لَهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَحْكِيَّ هُوَ الْمُوجِبُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ حَادِثٍ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبِ حَادِثٍ، وَلَا سَبَبَ إِلَّا مَا حُكِيَ وَهُوَ مُنَاسِبٌ فَيَجِبُ الْإِضَافَةُ إِلَيْهِ.
وَأَيْضًا فَلَمَّا نَشَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِهَا ثُمَّ أَبْطَلَ دَمَهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَعْصُومَةً، وَأَنَّ دَمَهَا كَانَ قَدِ انْعَقَدَ سَبَبُ ضَمَانِهِ، وَكَانَ مَضْمُونًا لَوْ لَمْ يُبْطِلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ حَرْبِيَّةً لَمْ يَنْشُدِ النَّاسَ فِيهَا وَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهَا وَيُهْدِرَهُ لِأَنَّ الْإِبْطَالَ وَالْإِهْدَارَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِدَمٍ قَدِ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الضَّمَانِ، وَلِهَذَا لَمَّا رَأَى امْرَأَةً مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ أَنْكَرَ قَتْلَهَا وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ، وَلَمْ يُبْطِلْهُ وَلَمْ يُهْدِرْهُ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ بَاطِلًا هَدَرًا، وَالْمُسْلِمُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّ دَمَ الْحَرْبِيَّةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بَلْ هُوَ هَدَرٌ لَمْ يَكُنْ لِإِبْطَالِهِ وَإِهْدَارِهِ وَجْهٌ، وَهَذَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - ظَاهِرٌ.
فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَاهَدَ الْيَهُودَ عَهْدًا بِغَيْرِ ضَرْبِ جِزْيَةٍ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُ أَهْدَرَ دَمَ يَهُودِيَّةٍ مِنْهُمْ لِأَجْلِ سَبِّهِ، فَأَنْ يُهْدِرَ دَمَ يَهُودِيَّةٍ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةُ وَالْتَزَمُوا أَحْكَامَ الْمِلَّةِ - لِأَجْلِ السَّبِّ - أَوْلَى وَأَحْرَى، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَتْلُهَا جَائِزًا لَبَيَّنَ لِقَاتِلِهَا قُبْحَ مَا فَعَلَ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقِرُّ عَلَى بَاطِلٍ - كَيْفَ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute