للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَهْدُ السَّابِّ.

وَمَنْ قَالَ: " إِنَّ السَّابَّ لَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ " فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يَنْتَقِضُ الْعَهْدُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا ابْنُ الْأَشْرَفِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إِلَّا أَذًى بِاللِّسَانِ فَقَطْ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ نَازَعَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نَقْضٌ لِلْعَهْدِ.

الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّ تَفْضِيلَ دِينِ الْكُفَّارِ عَلَى دِينِ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ دُونَ [سَبِّ] النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا رَيْبٍ، فَإِنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ مَفْضُولًا أَحْسَنُ حَالًا مِنْ كَوْنِهِ مَسْبُوبًا مَشْتُومًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ فَالسَّبُّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.

وَأَمَّا مَرْثِيَّتُهُ لِلْقَتْلَى وَحَضُّهُمْ عَلَى أَخْذِ ثَأْرِهِمْ، فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ تَهْيِيجُ قُرَيْشٍ عَلَى الْمُحَارَبَةِ، وَقُرَيْشٌ كَانُوا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى مُحَارَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقِيبَ بَدْرٍ، وَأَرْصَدُوا الْعِيرَ الَّتِي كَانَ فِيهَا أَبُو سُفْيَانَ لِلنَّفَقَةِ عَلَى حَرْبِهِ، فَلَمْ يَحْتَاجُوا فِي ذَلِكَ إِلَى كَلَامِ ابْنِ الْأَشْرَفِ.

نَعَمْ، مَرْثِيَّتُهُ وَتَفْضِيلُهُ رُبَّمَا زَادَهُمْ غَيْظًا وَمُحَارَبَةً، لَكِنَّ سَبَّهُ لِلنَّبِيِّ وَهِجَاءَهُ لَهُ وَلِدِينِهِ أَيْضًا مِمَّا يُهَيِّجُهُمْ عَلَى الْمُحَارَبَةِ وَيُغْرِيهِمْ بِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْهِجَاءَ فِيهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الْكَلَامِ وَأَبْلَغُ، فَإِذَا كَانَ غَيْرُهُ مِنَ الْكَلَامِ نَقْضًا فَهُوَ أَنْ يَكُونَ نَقْضًا أَوْلَى، وَلِهَذَا قَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةً مِنَ النِّسْوَةِ اللَّاتِي كُنَّ يَشْتُمْنَهُ وَيَهْجِينَهُ مَعَ عَفْوِهِ عَمَّنْ كَانَتْ تُعِينُ عَلَيْهِ وَتَحُضُّ عَلَى قِتَالِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>