قُلْتُ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: ٢٨] ، وَهَذَا لِمَكَّةَ كُلِّهَا.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا كَانَتْ مَكَّةُ هَذِهِ سُنَنُهَا أَنَّهَا مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهَا، وَأَنَّهَا لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا وَلَا يَطِيبُ كِرَاءُ بُيُوتِهَا، وَأَنَّهَا مَسْجِدٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ غَنِيمَةً فَتُقَسَّمُ بَيْنَ قَوْمٍ يَحُوزُونَهَا دُونَ النَّاسِ، أَوْ تَكُونُ فَيْئًا فَتَصِيرُ أَرْضَ خَرَاجٍ وَهِيَ أَرْضٌ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ الْأُمِّيِّينَ الَّذِينَ كَانَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ أَوِ الْقَتْلَ فَإِذَا أَسْلَمُوا كَانَتْ أَرْضُهُمْ أَرْضَ الْعُشْرِ وَلَا تَكُونُ خَرَاجًا أَبَدًا؟ ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُفَسِّرًا حِينَ قَالَ: " «لَا تَحِلُّ غَنَائِمُهَا» ".
قَالَ: فَلَيْسَ تُشْبِهُ مَكَّةُ شَيْئًا مِنَ الْبِلَادِ لِمَا خُصَّتْ بِهِ، فَلَا حُجَّةَ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى غَيْرِهَا كَالْحُكْمِ عَلَيْهَا، وَلَيْسَتْ تَخْلُو بِلَادُ الْعَنْوَةِ - سِوَى مَكَّةَ - مِنْ أَنْ تَكُونَ غَنِيمَةً كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ أَوْ تَكُونَ فَيْئًا كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَرْضِ السَّوَادِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ، انْتَهَى.
فَغَلِطَ فِي مَكَّةَ طَائِفَتَانِ: طَائِفَةٌ أَلْحَقَتْ غَيْرَهَا بِهَا فَجَوَّزَتْ أَلَّا تُقَسَّمَ وَلَا يُضْرَبَ عَلَيْهَا خَرَاجٌ وَلَا تَكُونَ فَيْئًا، وَطَائِفَةٌ شَبَّهَتْ مَكَّةَ بِغَيْرِهَا فَجَوَّزَتْ قِسْمَتَهَا، وَضَرْبَ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا وَهِيَ أَقْبَحُ الطَّائِفَتَيْنِ وَأَسْوَءُهُمْ مَقَالَةً، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute