للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآخَرِ وَلَا يَكُونُ فِي هَذَا أَحْسَنَ حَالًا مِنَ الْمُسْلِمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَرَّ بِمَالٍ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ أُخِذَتْ مِنْهُ الصَّدَقَةُ، ثُمَّ إِنْ مَرَّ بِمَالٍ آخَرَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ مِنْ مَالِهِ هَذَا أَيْضًا ; لِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَكُونُ قَاضِيَةً عَنِ الْمَالِ الْآخَرِ؟ فَهَذَا قَدْرُ مَا فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ.

فَأَمَّا أَهْلُ الْحَرْبِ فَكُلُّهُمْ يَقُولُ: إِذَا انْصَرَفَ إِلَى بِلَادِهِ ثُمَّ عَادَ بِمَالِهِ ذَلِكَ أَوْ مَالٍ سِوَاهُ، إِنَّ عَلَيْهِ الْعُشْرَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بَطَلَتْ عَنْهُ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا عَادَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ مُسْتَأْنِفًا لِلْحُكْمِ كَالَّذِي لَمْ يَدْخُلْهَا قَطُّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَكُلُّهُمْ يَقُولُ: لَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَدَّعِي مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ أَوْ قَوْلِهِ: إِنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ لِي، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ: يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ إِذَا مَرَّ بِجِوَارٍ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي، قُبِلَ مِنْهُ، وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ عُشْرُ قِيمَتِهِنَّ.

قُلْتُ: فَقَدْ حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ يُعْشَرُ كُلَّمَا دَخَلَ إِلَيْنَا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّمِّيِّ، وَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً، وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ قَالَ: يُؤْخَذُ مِنْهُ [كُلَّمَا] دَخَلَ إِلَيْنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَابْنِهِ صَالِحٍ: أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عُمَرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>