فَإِنْ قِيلَ: اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا مَنَعَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرْبَانِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلَمْ يَمْنَعْ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْهُ: وَلِهَذَا «أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ: " أَنَّهُ لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ» " وَالْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ كَانُوا يَحُجُّونَ هُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ لَا أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُمُ الْمَنْعُ.
قِيلَ: لِلنَّاسِ قَوْلَانِ فِي دُخُولِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي لَفْظِ الْمُشْرِكِينَ.
[الْأَوَّلُ:] فَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ كَانُوا يَقُولُونَ: هُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَا أَعْلَمُ شِرْكًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يَقُولَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَعُزَيْزٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: ٣١] .
وَالثَّانِي: لَا يَدْخُلُونَ فِي لَفْظِ " الْمُشْرِكِينَ " ; لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَهُمْ غَيْرَهُمْ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [الحج: ١٧] .
قَالَ شَيْخُنَا: " وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ أَصْلَ دِينِهِمْ دِينُ التَّوْحِيدِ فَلَيْسُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْأَصْلِ، وَالشِّرْكُ طَارِئٌ عَلَيْهِمْ فَهُمْ مِنْهُمْ بِاعْتِبَارِ مَا عَرَضَ لَهُمْ لَا بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الدِّينِ، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي لَفْظِ الْآيَةِ دَخَلُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute