للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَّعَ لِرَجُلٍ نَصْرَانِيٍّ أَسْلَمَ بِرَدِّهِ إِلَى دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، وَخُرُوجِهِ مِنَ الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَلَمْ يَزَلْ يُكَاتِبُ الْفِرِنْجَ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْمَالِهِمْ وَأَمْرِ الدَّوْلَةِ وَتَفَاصِيلِ أَحْوَالِهَا.

وَكَانَ مَجْلِسُهُ مَعْمُورًا بِرُسُلِ الْفِرِنْجِ وَالنَّصَارَى، وَهُمْ مُكْرَمُونَ لَدَيْهِ وَحَوَائِجُهُمْ مَقْضِيَّةٌ عِنْدَهُ، وَيَحْمِلُ لَهُمُ الْأَدْرَارَ وَالضِّيَافَاتِ، وَأَكَابِرُ الْمُسْلِمِينَ مَحْجُوبُونَ عَلَى الْبَابِ لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ، وَإِذَا دَخَلُوا لَمْ يُنْصَفُوا فِي التَّحِيَّةِ وَلَا فِي الْكَلَامِ.

فَاجْتَمَعَ بِهِ بَعْضُ أَكَابِرِ الْكِتَابِ فَلَامَهُ عَلَى ذَلِكَ وَحَذَّرَهُ مِنْ سُوءِ عَاقِبَةِ صُنْعِهِ، فَلَمْ يَزِدْهُ ذَلِكَ إِلَّا تَمَرُّدًا، فَلَمْ يَمْضِ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا يَسِيرٌ حَتَّى اجْتَمَعَ فِي مَجْلِسِ الصَّالِحِ أَكَابِرُ النَّاسِ مِنَ الْكُتَّابِ وَالْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ، فَسَأَلَ السُّلْطَانُ بَعْضَ الْجَمَاعَةِ عَنْ أَمْرٍ أَفْضَى بِهِ إِلَى ذِكْرِ مَخَازِي النَّصَارَى، فَبَسَطَ لِسَانَهُ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ بَعْضَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَفْعَالِ وَالْأَخْلَاقِ، وَقَالَ مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِهِ: إِنَّ النَّصَارَى لَا يَعْرِفُونَ الْحِسَابَ وَلَا يَدْرُونَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ ; لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْوَاحِدَ ثَلَاثَةً وَالثَّلَاثَةَ وَاحِدًا وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: ٧٣] .

وَأَوَّلُ أَمَانَتِهِمْ وَعَقْدُ دِينِهِمْ: بِسْمِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَرُوحِ الْقُدُسِ إِلَهٍ وَاحِدٍ، فَأَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى بَعْضُ الشُّعَرَاءِ وَقَالَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ:

كَيْفَ يَدْرِي الْحِسَابَ مَنْ جَعَلَ الْوَا ... حِدَ رَبَّ الْوَرَى تَعَالَى ثَلَاثَةْ

<<  <  ج: ص:  >  >>