وَوَجْهُ هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِ الْمُذَكِّي، وَلِأَنَّهُ ذَبْحٌ لَا يَعْتَقِدُ الذَّابِحُ حِلَّهُ فَهُوَ كَذَبِيحَةِ الْمُحَرَّمِ، وَلِأَنَّ لِاعْتِقَادِ الذَّابِحِ أَثَرًا فِي حِلِّ الذَّبِيحَةِ وَتَحْرِيمِهَا.
وَلِهَذَا لَوْ ذَبَحَ الْمُسْلِمُ مَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَبْحُهُ، كَالْمَغْصُوبِ كَانَ حَرَامًا فَالْقَصْدُ يُؤَثِّرُ فِي التَّذْكِيَةِ كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْعِبَادَةِ: وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: ١٤٦] ، وَلَمَّا كَانَتْ حَرَامًا عَلَيْهِمْ لَمْ تَكُنْ تَذْكِيَتُهُمْ لَهَا ذَكَاةً، كَمَا لَا يَكُونُ ذَبْحُ الْخِنْزِيرِ لَنَا ذَكَاةً.
وَهَذَا الدَّلِيلُ مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثِ مُقَدِّمَاتٍ:
إِحْدَاهَا: أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، وَهَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ بَاقٍ لَمْ يَزُلْ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّهُمْ إِذَا ذَبَحُوا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ لَمْ تُؤَثِّرِ الذَّكَاةُ فِي حِلِّهِ.
فَأَمَّا الْأُولَى فَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا سَبَبُ التَّحْرِيمِ بَاقٍ، وَهُوَ الْعُدْوَانُ قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام: ١٤٦] ، وَبَغْيُهُمْ لَمْ يَزُلْ بِمَبْعَثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ زَادَ الْبَغْيُ مِنْهُمْ، فَالتَّحْرِيمُ تَغَلَّظَ بِتَغَلُّظِ الْبَغْيِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ رَفْعَ ذَلِكَ التَّحْرِيمِ إِنَّمَا هُوَ رَحْمَةٌ فِي حَقِّ مَنِ اتَّبَعَ الرَّسُولَ، فَإِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أَتْبَاعِهِ الْآصَارَ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، وَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute