بِالتَّسْلِيمِ فِي الْمُدَّةِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ فِعْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَانَ ذِكْرُهَا وَتَرْكُ ذِكْرِهَا سَوَاءً، كَمَا لَوِ اكْتَرَى دَارًا لِيَنَامَ فِيهَا أَوْ يَسْكُنَهَا فَإِنَّ الْأُجْرَةَ تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِيمَا إِذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِحَمْلِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَنَّهُ يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْخَمْرِ، بَلْ لَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ بَدَلَهُ عَصِيرًا اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ، فَهَذَا التَّقْيِيدُ عِنْدَهُ لَغْوٌ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَالْمُطْلَقَةُ عِنْدَهُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَعْصِي فِيهَا، كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَصِيرِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا، ثُمَّ إِنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ، قَالَ: لِأَنَّ السِّلَاحَ مَعْمُولٌ لِلْقِتَالِ لَا يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ، وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ خَالَفُوهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى، وَقَالُوا: لَيْسَ الْمُقَيَّدُ كَالْمُطْلَقِ، بَلِ الْمَنْفَعَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا هِيَ الْمُسْتَحَقَّةُ، فَتَكُونُ هِيَ الْمُقَابَلَةُ بِالْعِوَضِ وَهِيَ مَنْفَعَةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَإِنْ جَازَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُقِيمَ مِثْلَهُ مَقَامَهُ، وَأَلْزَمُوهُ مَا لَوِ اكْتَرَى دَارًا لِيَتَّخِذَهَا مَسْجِدًا، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ فِعْلُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُ أَبْطَلَ هَذِهِ الْإِجَارَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا اقْتَضَتْ فِعْلَ الصَّلَاةِ، وَهِيَ لَا تُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ إِجَارَةٍ.
وَنَازَعَهُ أَصْحَابُنَا وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ وَقَالُوا: إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَنْتَفِعُ بِهَا فِي مُحَرَّمٍ حُرِّمَتِ الْإِجَارَةُ لَهُ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ عَاصِرَ الْخَمْرِ وَمُعْتَصِرَهَا» وَالْعَاصِرُ إِنَّمَا يَعْصِرُ عَصِيرًا لَكِنْ إِذَا رَأَى أَنَّ الْمُعْتَصِرَ يُرِيدُ أَنْ يَتَّخِذَهُ خَمْرًا أَوْ عَصِيرًا اسْتَحَقَّ اللَّعْنَةَ، وَهَذَا أَصْلٌ مُقَرَّرٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لَكِنَّ مَعَاصِيَ الذِّمِّيِّ قِسْمَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا اقْتَضَى عَقْدُ الذِّمَّةِ إِقْرَارَهُ عَلَيْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute