هَذَا مِنْهَا أَحَدٌ قَطُّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مِنَ التَّابِعِينَ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ أَصْلًا.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ رَدِّ النِّسَاءِ الْمُهَاجِرَاتِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الْكُفَّارِ، فَأَيْنَ فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَنْتَظِرُ زَوْجَهَا حَتَّى يَصِيرَ مُسْلِمًا مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ تُرَدُّ إِلَيْهِ؟ وَلَقَدْ أَبْعَدَ النُّجْعَةَ كُلَّ الْإِبْعَادِ مَنْ فَهِمَ هَذَا مِنَ الْآيَةِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] ، إِنَّمَا فِيهِ إِثْبَاتُ التَّحْرِيمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْكُفَّارِ، وَأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَحِلُّ لِلْآخَرِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَتَرَبَّصُ بِصَاحِبِهِ الْإِسْلَامَ فَيَحِلُّ لَهُ إِذَا أَسْلَمَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] ، فَهَذَا خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَرَفْعٌ لِلْحَرَجِ عَنْهُمْ أَنْ يَنْكِحُوا الْمُؤْمِنَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ إِذَا بِنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ وَتَخَلَّيْنَ عَنْهُمْ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمَرْأَةِ وَاخْتِيَارِهَا لِنَفْسِهَا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا انْقَضَتْ عَدَّتُهَا تُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ تَتَزَوَّجَ مَنْ شَاءَتْ وَبَيْنَ أَنْ تُقِيمَ حَتَّى يُسْلِمَ زَوْجُهَا، فَتَرْجِعُ إِلَيْهِ إِمَّا بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا نَصَرْنَاهُ، وَإِمَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى انْفِسَاخَ النِّكَاحِ بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
فَلَوْ أَنَّا قُلْنَا: إِنَّ الْمَرْأَةَ تَبْقَى مَحْبُوسَةً عَلَى الزَّوْجِ، لَا نُمَكِّنُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، شَاءَتْ أَمْ أَبَتْ، لَكَانَ فِي الْآيَةِ حُجَّةٌ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ لَمْ نَقُلْ ذَلِكَ وَلَا غَيْرُنَا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، بَلْ هِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا إِنْ شَاءَتْ تَزَوَّجَتْ، وَإِنْ شَاءَتْ تَرَبَّصَتْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute