اخْتِيَارًا لَهَا لَنُفِّذَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَانْفَسَخَ نِكَاحُ الْأُخْرَى بِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَرْهَا، فَيَكُونُ أَمْرًا لَهُ بِإِرْسَالِ الِاثْنَتَيْنِ: هَذِهِ بِالتَّطْلِيقِ، وَالْأُخْرَى بِاخْتِيَارِ غَيْرِهَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ فَقَالُوا: لَا يَكُونُ الطَّلَاقُ إِلَّا فِي زَوْجَةٍ، فَفِي ضِمْنِ تَطْلِيقِهِ لَهَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لَهَا، فَيُنَفَّذُ الطَّلَاقُ وَتَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَوَاقِي، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا، وَكَيْفَ يَكُونُ الطَّلَاقُ الَّذِي جُعِلَ لِرَفْعِ النِّكَاحِ وَإِزَالَتِهِ، وَحَلِّ قَيْدِهِ دَالًّا عَلَى ضِدِّ مَوْضُوعِهِ مِنَ الْإِمْسَاكِ وَالِاخْتِيَارِ؟ ! وَهَلْ هَذَا إِلَّا قَلْبُ الْحَقَائِقِ! وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ جَعْلِ الْإِمْسَاكِ وَالِاخْتِيَارِ دَلِيلًا عَلَى الْفِرَاقِ وَالطَّلَاقِ، وَأَيُّ فَرْقٍ حَقِيقَةً أَوْ لُغَةً بَيْنَ قَوْلِهِ: " أَرْسَلْتُكِ "، وَ " سَيَّبْتُكِ "، وَ " أَخْرَجْتُكِ مِنْ نِكَاحِي "، وَ " طَلَّقْتُكِ "؟ !
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: " إِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي زَوْجَةٍ " فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُضَافَ إِلَى زَوْجَةٍ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي زَوْجَةٍ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اخْتِيَارِ غَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ، وَإِخْرَاجِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ نِكَاحِهِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُصَادِفَ زَوْجَةً.
الثَّانِي: أَنَّ الطَّلَاقَ هَاهُنَا كِنَايَةٌ عَنِ التَّسَيُّبِ وَالْإِرْسَالِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ " رَغِبْتُ عَنْكِ "، " أَرْسَلْتُكِ " فَهُوَ طَلَاقٌ مُقَيَّدٌ بِقَيْدِ الْقَرِينَةِ، وَهِيَ مِنْ أَقْوَى الْقَرَائِنِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ؟ وَلِهَذَا قَالَ يَنْفُذُ الطَّلَاقُ فِي الْمُطَلَّقَةِ، وَإِذَا كَانَتْ صَحِيحَةً فَطَلَّقَ وَاحِدَةً صَارَتْ كَأَنَّهَا لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا، وَصَارَ الْبَوَاقِي هُنَّ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِنَّ، فَكَأَنَّهُ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَرْبَعٌ أَوْ إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ فَقَطْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute