للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّحَابَةِ، وَعِكْرِمَةُ لَمْ يَهْرُبْ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَى بَلَدِ إِسْلَامٍ، وَإِنَّمَا هَرَبَ إِلَى مَوْضِعٍ يَرَى أَنَّ أَهْلَهُ عَلَى دِينِهِ.

نَزَلْنَا عَنْ هَذَا كُلِّهِ، فَالَّذِينَ أَسْلَمُوا، وَهَاجَرُوا قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ لَمْ يُفَرِّقْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ نِسَائِهِمْ قَطْعًا مَعَ اخْتِلَافِ الدَّارِ قَطْعًا، وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْآثَارُ مُتَضَافِرَةً بِذَلِكَ لَكَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّفْرِيقِ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ، وَأَقَامَ بِهَا، وَامْرَأَتُهُ مُسْلِمَةٌ، أَوْ أَقَامَتِ امْرَأَةُ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَخَرَجَ هُوَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ لِتِجَارَةٍ، أَوْ رِسَالَةٍ، فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْفَسِخُ.

فَإِنْ قُلْتُمُ: الدَّارُ لَمْ تَخْتَلِفْ بِهِمَا هَاهُنَا فِعْلًا وَحُكْمًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ فِعْلًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُسْلِمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ حُكْمُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُسْلِمِ فِعْلًا.

قِيلَ لَكُمْ: إِذَا اسْتَوْطَنَهَا كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلِهَذَا إِذَا قَتَلَهُ جَيْشُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَعْلَمُوا حَالَهُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الدَّارَ دَارُ إِبَاحَةٍ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْقَتْلِ وُجُوبُ الدِّيَةِ، وَلَوْ تَعَمَّدَ قَتْلَ مُسْلِمٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ عِنْدَكُمْ، وَلَكَانَ الْحَرْبِيُّ إِذَا دَخَلَ إِلَيْنَا مُسْتَأْمِنًا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الدَّارِ، وَلِهَذَا مَنْ قَتَلَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَتُهُ، وَلَمْ يَجُزْ سَبْيُهُ، وَاسْتِرْقَاقُهُ، وَأَخْذُ مَالِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>