قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهَا عِنْدَ امْتِنَاعِهَا، قَالَ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا امْتَنَعَتْ وَلَمْ يُوجَدْ مِنَ الزَّوْجِ مُطَالَبَةٌ بِالْغُسْلِ، قَالَ: وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ لَهُ إِجْبَارَهَا عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ بَقَاءَ الْغُسْلِ يُحَرِّمُ عَلَيْهِ الْوَطْءَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ، وَكَانَ لَهُ إِجْبَارُهَا عَلَيْهِ، لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ، كَمَا لَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى مُلَازَمَةِ الْمَنْزِلِ، وَالتَّمْكِينُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إِلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ.
فَأَمَّا الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَهَلْ لِلزَّوْجِ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَيْهِ؟ فَقَدْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَقَالَ: يَأْمُرُهَا بِالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَإِنْ أَبَتْ لَمْ يَتْرُكْهَا، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ لَهُ إِجْبَارَهَا، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً فَأَمَرَهَا بِتَرْكِهِ (يَعْنِي شُرْبَ الْخَمْرِ) : فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا.
وَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِجْبَارَهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ، كَمَا لَمْ يَمْلِكْ إِجْبَارَهَا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ كَمَالِ الْوَطْءِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ أَصْلِهِ.
وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ بَقَاءَ الْغُسْلِ عَلَيْهَا يَمْنَعُهُ مِنْ كَمَالِ الِاسْتِمْتَاعِ، فَإِنَّ النَّفْسَ تَعَافُ وَطْءَ مَنْ لَا تَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَيَفُوتُهُ بِذَلِكَ بَعْضُ حَقِّهِ، فَكَانَ لَهُ إِجْبَارُهَا كَمَا كَانَ لَهُ فِي الِاغْتِسَالِ مِنَ الْحَيْضِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute