للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْلَى، وَقَوْلُ مَنْ خَصَّ الْمِلَّةَ بِعَدَمِ الْكِتَابِ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ هَذَا وَصْفٌ عَدَمِيٌّ لَا يَقْتَضِي حُكْمًا، وَلَا جَمْعًا، ثُمَّ لَا بُدَّ لِهَذَا الضَّابِطِ مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ، ثُمَّ قَدِ افْتَرَقَ حُكْمُهُمْ، فَإِنَّ الْمَجُوسَ يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، وَغَيْرُهُمْ لَا يُقِرُّ بِهَا، وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي مَعْبُودَاتِهِمْ، وَمُعْتَقَدَاتِهِمْ، وَآرَائِهِمْ، يَسْتَحِلُّ بَعْضُهُمْ دِمَاءَ بَعْضٍ، وَيُكَفِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَكَانُوا مِلَلًا كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، فَإِنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ رَوَى عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَعَلَ الْكُفْرَ مِلَلًا مُخْتَلِفَةً، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، فَكَانَ إِجْمَاعًا.

وَاحْتَجَّ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) ، فَأَثْبَتَ لِكُلِّ شَرِيعَةٍ دِينًا، وَقَالَ تَعَالَى: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) ،: (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ) ، فَلَوْ كَانَ مَنْ خَالَفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>