للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا فَإِنَّ تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مِمَّا يُرَغِّبُ فِي الْإِسْلَامِ، وَيَزِيدُ فِيهِ، وَيَدْعُو إِلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا مُجَرَّدُ الِاسْتِحْسَانِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ، وَكَمَالِهَا، أَلَّا يُحْرَمَ وَلَدُ رَجُلٍ مِيرَاثَهُ بِمَانِعٍ قَدْ زَالَ فِعْلُ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ، فَإِنَّ النَّسَبَ هُوَ مُقْتَضٍ لِلْمِيرَاثِ، وَلَكِنْ عَاقَبَهُ الشَّارِعُ بِالْحِرْمَانِ عَلَى كُفْرِهِ، فَإِذَا أَسْلَمَ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعُقُوبَةِ، بَلْ صَارَ بِالثَّوَابِ أَوْلَى مِنْهُ بِالْعِقَابِ.

يُوَضِّحُهُ أَنَّ زَوَالَ الْمَانِعِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يَجْعَلُهُ فِي حُكْمِ مَا لَمْ يَكُنْ أَصْلًا، فَالتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَالنَّازِعُ عَنِ الْكُفْرِ كَمَنْ لَمْ يَكْفُرْ، فَلَا مَعْنَى لِحِرْمَانِهِ، وَقَدْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَمَالُ مَوْرُوثِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ بَعْدُ لِغَيْرِهِ، بَلْ هُوَ فِي حُكْمِ الْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَفِي حُكْمِ الزَّائِلِ مِنْ وَجْهٍ.

يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ - إِذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَقَبْلَ حِيَازَةِ بَيْتِ الْمَالِ التَّرِكَةَ - سَاوَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْإِسْلَامِ، وَامْتَازَ عَنْهُمْ بِقَرَابَةِ الْمَيِّتِ، فَكَانَ أَحَقَّ بِمَالِهِ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا بَرَزَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ، وَهِيَ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِيهَا مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ مَا لَمْ يَبْلُغْ غَيْرُهُ.

قَالَ الْمَانِعُونَ مِنَ التَّوْرِيثِ: التَّرِكَةُ تَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ إِلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ، وَيَسْتَقِرُّ مِلْكُهُمْ عَلَيْهَا، فَيَجِبُ أَلَّا يَزُولَ مِلْكُهُمْ عَنْهَا بِالْإِسْلَامِ، كَمَا لَا يَزُولُ بِحُدُوثِ وَارِثٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَمُوتَ وَيُخَلِّفَ أُمًّا وَأُخْتًا، فَتَتَعَلَّقُ الْأُمُّ بِوَلَدٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ لِحُدُوثِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْمِيرَاثِ لِلْمَوْجُودِ.

قَالُوا: وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا عِنْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَصِرْ وَارِثًا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ صَيْرُورَتَهُ وَارِثًا بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ، وَهَذَا لَا يُعْقَلُ.

قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَارِثًا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، فَكَذَلِكَ قَبْلَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>