وَلَيْسَ فِي شَرْعِ اللَّهِ، وَلَا فِي قَدَرِهِ إِضَاعَةُ الْخَيْرِ الْعَظِيمِ لِمَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ شَرٍّ يَسِيرٍ لَا نِسْبَةَ لَهُ إِلَى ذَلِكَ الْخَيْرِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ مَدَارُ الشَّرْعِ، وَالْقَدَرِ عَلَى تَحْصِيلِ أَعْلَى الْمَصْلَحَتَيْنِ بِتَفْوِيتِ أَدْنَاهُمَا، وَارْتِكَابِ أَدْنَى الْمَفْسَدَتَيْنِ لِدَفْعِ أَعْلَاهُمَا.
وَأَمَّا حِرْمَانُهُ الْمِيرَاثَ مِنْ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا يَلْزَمُهُمْ نَظِيرُهُ، إِذْ قَدْ يَكُونُ لَهُ قَرِيبٌ مُسْلِمٌ، فَإِنْ لَمْ يُصَحِّحْ إِسْلَامَهُ مُنِعَ مِيرَاثَهُ مِنْهُ، وَفِي ذَلِكَ تَفْوِيتُ مَصْلَحَةِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ.
الثَّانِي: أَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَذْهَبَ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ: أَنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ الْكَافِرَ دُونَ الْعَكْسِ، وَبَيَّنَّا رُجْحَانَ هَذَا الْقَوْلِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ وَلَوْ حُرِمَ الْمِيرَاثَ فَمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ عِزِّ الْإِسْلَامِ، وَغِنَاهُ، وَالْفَوْزِ بِهِ خَيْرٌ لَهُ مِمَّا فَاتَهُ مِنْ شَيْءٍ لَا يُسَاوِي جَمِيعُهُ، وَأَضْعَافٌ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُتَوَهَّمٌ، فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ مَالٌ يُزَكِّيهِ، وَلَا قَرَابَةٌ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَلَا مَالٌ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى قَرَابَتِهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ مَنْعُ صِحَّةِ الْإِسْلَامِ الْمُتَحَقِّقِ النَّفْعِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ خَوْفًا مِنْ حُصُولِ هَذَا الْأَمْرِ الْمُتَوَهَّمِ الَّذِي قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ حَقِيقَةً أَصْلًا فِي حَقِّ كَثِيرٍ مِنَ الْأَطْفَالِ؟ وَلَوْ كَانَ مُحَقَّقًا فَهُوَ مَجْبُورٌ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَجْبُورٌ بِعِزِّ الْإِسْلَامِ، وَفَوَائِدِهِ الَّتِي لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللَّهُ. وَمِثَالُ تَعْطِيلِ هَذَا النَّفْعِ الْعَظِيمِ لِأَجْلِ هَذَا الضَّرَرِ الْمُتَوَهَّمِ الَّذِي لَوْ كَانَ مَوْجُودًا لَكَانَ يَسِيرًا جِدًّا، مِثَالُ مَنْ عَطَّلَ مَنْفَعَةَ الْأَكْلِ لِمَا فِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute