للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِقْرَارِ، فَإِنَّهُ قَالَ: " أَشْهَدَهُمْ " أَيْ جَعَلَهُمْ شَاهِدِينَ، فَهَذَا الْإِشْهَادُ مِنْ لَوَازِمِ الْإِنْسَانِ، وَكُلُّ إِنْسَانٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مُقِرًّا بِرُبُوبِيَّتِهِ شَاهِدًا عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَاللَّهَ خَالِقُهُ، وَهَذَا أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لِبَنِي آدَمَ لَا يَنْفِكُّ مِنْهُ مَخْلُوقٌ، وَهُوَ مِمَّا جُبِلُوا عَلَيْهِ، فَهُوَ عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ لَهُمْ لَا يُمْكِنُ أَحَدًا جَحْدُهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: (أَنْ تَقُولُوا) ، أَيْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَقُولُوا، أَوْ لِئَلَّا تَقُولُوا: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: ١٧٢] ، أَيْ عَنْ هَذَا الْإِقْرَارِ لِلَّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَعَلَى نُفُوسِنَا بِالْعُبُودِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ مَا كَانُوا غَافِلِينَ عَنْ هَذَا، بَلْ كَانَ هَذَا مِنَ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ اللَّازِمَةِ لَهُمُ الَّتِي لَمْ يَخْلُ مِنْهَا بَشَرٌ قَطُّ، بِخِلَافِ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلُومِ الَّتِي قَدْ تَكُونُ ضَرُورِيَّةً، وَلَكِنْ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهَا كَثِيرٌ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ عُلُومِ الْعَدَدِ وَالْحِسَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا إِذَا تَصَوَّرَتْ كَانَتْ عُلُومًا ضَرُورِيَّةً، لَكِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ غَافِلٌ عَنْهَا.

وَأَمَّا الِاعْتِرَافُ بِالْخَالِقِ فَإِنَّهُ عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ لَازِمٌ لِلْإِنْسَانِ لَا يَغْفُلُ عَنْهُ أَحَدٌ بِحَيْثُ لَا يَعْرِفُهُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَفَهُ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ نَسِيَهُ. وَلِهَذَا يُسَمَّى التَّعْرِيفُ بِذَلِكَ تَذْكِيرًا، فَإِنَّهُ تَذْكِيرٌ بِعُلُومٍ فِطْرِيَّةٍ ضَرُورِيَّةٍ، وَقَدْ يَنْسَاهَا الْعَبْدُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر: ١٩] ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «يَقُولُ اللَّهُ لِلْكَافِرِ: فَالْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي» ".

<<  <  ج: ص:  >  >>