يُدْرِيكِ يَا عَائِشَةُ» " عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، كَأَنَّهُ يَقُولُ لَهَا: إِذَا خَلَقَ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا، فَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ ذَلِكَ الصَّبِيَّ مِنْ هَؤُلَاءِ، أَوْ مِنْ هَؤُلَاءِ؟
وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ أَطْفَالَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا حُكِمَ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ لَا بِطَرِيقِ الِاسْتِقْلَالِ، فَإِذَا لَمْ يَقْطَعْ لِلْمَتْبُوعِ بِالْجَنَّةِ كَيْفَ يَقْطَعُ لِتَبَعِهِ بِهَا؟
يُوَضِّحُهُ أَنَّ الطِّفْلَ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ بَلْ تَابِعٌ لِأَبَوَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يُقْطَعْ لِأَبَوَيْهِ بِالْجَنَّةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْطَعَ لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّا نَقْطَعُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ عُمُومًا، وَلَا نَقْطَعُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ بِكَوْنِهِ فِي الْجَنَّةِ، فَلِهَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُمِّ الْعَلَاءِ حُكْمَهَا عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ بِذَلِكَ.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ، حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ؟ قَالَ: " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» "، فَلَمْ يَخُصُّوا بِالسُّؤَالِ طِفْلًا مِنْ طِفْلٍ، وَلَمْ يَخُصَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْجَوَابِ بَلْ أَطْلَقَ الْجَوَابَ كَمَا أَطْلَقُوا السُّؤَالَ، وَلَوِ افْتَرَقَ الْحَالُ فِي الْأَطْفَالِ لَفَصَلَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمْ فِي الْجَوَابِ.
وَهَؤُلَاءِ لَوْ تَأَمَّلُوا أَلْفَاظَهُ، وَطُرُقَهُ لَأَمْسَكُوا عَنْ هَذَا الِاحْتِجَاجِ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ:
فَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute