فَقَوْلُهُ: " «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» " عَقِيبَ نَهْيِهِ عَنْ قَتْلِهِمْ يَكْشِفُ لَكَ الْمَعْنَى، وَيُوَضِّحُهُ، وَيُبَيِّنُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ - لَوْ أَدْرَكُوا - مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ذَلِكَ، فَلَعَلَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَدْرَكَ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَيَكُونُ مُسْلِمًا، فَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي جَوَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ خَرَّجَ جَوَابًا لَهُمْ حِينَ أَخْبَرَهُمْ " أَنَّهُمْ مِنْ آبَائِهِمْ " فَقَالُوا: بِلَا عَمَلٍ؟ فَقَالَ: " «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» "، كَمَا فِي " السُّنَنِ " مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَرَارِيُّ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ "، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِلَا عَمَلٍ؟ قَالَ: " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ "، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَرَارِيُّ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ "، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِلَا عَمَلٍ؟ قَالَ: " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» ".
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ يَلْحَقُونَ بِآبَائِهِمْ مِنْهُمْ هُمُ الَّذِينَ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ - لَوْ عَاشُوا - لَاخْتَارُوا الْكُفْرَ وَعَمِلُوا بِهِ، فَهَؤُلَاءِ مَعَ آبَائِهِمْ، وَلَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الذُّرِّيَّةِ مَعَ أَبِيهِ فِي النَّارِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْجِنْسِ - سُؤَالًا وَجَوَابًا - إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى التَّفْصِيلِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مُتَبَايِنُونَ فِي التَّبَعِيَّةِ بِحَسَبِ تَبَايُنِهِمْ فِي مَعْلُومِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ.
يَبْقَى أَنْ يُقَالَ: فَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يَلْحَقُونَ بِآبَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، وَلِهَذَا فَهِمَتْ مِنْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ذَلِكَ، فَقَالَتْ: " بِلَا عَمَلٍ؟ " فَأَقَرَّهَا عَلَيْهِ، وَقَالَ: " «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute