بل غاية ما يدعون إثبات إمكانه بالعقل لا إثبات وجوده مع أن ذلك أيضًا باطل.
وإنما يدعون ثبوت وجوده بالسمع.
ولكن يقال لهم في هذا المقام: أنتم لا يمكنكم إثبات كون المسيح هو الله إلا بهذه الكتب، ولا يمكنكم تصحيح هذه الكتب إلا بإثبات أن الحواريين رسل الله معصومون، ولا يمكنكم إثبات أنهم رسل الله إلا بإثبات أن المسيح هو الله فصار ذلك دورًا ممتنعًا.
فإنه لا تعلم إلهية المسيح إلا بثبوت هذه الكتب.
ولا تثبت هذه الكتب إلا بثبوت أنهم رسل الله.
ولا يثبت ذلك إلا بثبوت أنه الله.
فصار ثبوت إلهيته متوقفًا على ثبوت إلهيته.
وثبوت كونهم رسل الله متوقفًا على كونهم رسل الله، فصار ذلك دورًا ممتنعًا ".
ثم يقول رحمه الله- مفندًا لمزاعم القوم؛ إذ يقولون: إن هؤلاء الحواريين جرت على أيديهم معجزات، فهم لهذا يعتبرون رسلًا!
" وقد يدعون عصمة الحواريين، وعصمة أهل المجامع بعد الحواريين. فيزعمون أن الحواريين أو هؤلاء جرت على أيديهم خوارق، وقد يذكرون أن منهم من جرى إحياء الميت على يديه، وهذا إذا كان صحيحًا- مع أن صاحبه لم يذكر أنه نبي- لا يدل على عصمته.
فإن أولياء الله من الصحابة والتابعين بعدهم بإحسان، وسائر أولياء الله من هذه الأمة وغيرها، لهم من خوارق العادات ما يطول وصفه، وليس فيهم معصوم، يجب قبول كل ما يقول، بل يجوز الغلط على كل واحد منهم، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا الأنبياء عليهم السلام.