لقد تأثرت الأناجيل - التي كتُب أقدمها وهو إنجيل مرقس بعد أن بدأ بولس كتابة رسائله بأكثر من ١٥ سنة - بنظرية سفك دم المسيح فدية عن كثيرين، تلك التي روج لها بولس وجعلها إنجيله الوحيد الذي يبشر به. فهو يقول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس:" إني لم أعزم أن أعرف شيئا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبا "(٢: ٢) .
ولما كان من المتوقع أن يتحدث المسيح عن آلامه ورفضه باعتبارها ظواهر اقترنت دائما بحمل رسالات السماء، فإنا نجد إنجيل مرقس يضع ما يمكن اعتباره أساسا لكل ما قيل عن التنبؤات بالآلام المرتقبة. فهو يروي حديث المسيح لتلاميذه:" كيف هو مكتوب عن ابن الإنسان أن يتألم كثيرا ويرذل "(٩: ١٢) .
ولقد طور متى هذا القول فجعله تنبؤا بصلب المسيح إذ يقول على لسانه:
" ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت. ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه "٢٠: ١٨ -١٩) .
ومن المعلوم أن إنجيل مرقس كان مصدرا رئيسيا لمتى، ومن المعلوم كذلك أن إنجيل متى هو الإنجيل الوحيد الذي نسب للمسيح تنبؤه بالقتل صلبا.
ولقد رأينا فيما سبق كيف طور متى ما قيل عن آية يونان، فقد بدأها مرقس بقوله:" خرج الفريسيون وابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه، فتنهد بروحه وقال لماذا يطلب هذا الجيل آية؟ الحق أقول لكم لن يعطى هذا الجيل آية "(٨: ١١ -١٢) .