[١٠١ - قول العلامة جمال الدين القاسمي (المتوفى: ١٣٣٢)]
قال جمال الدين القاسمي في محاسن التأويل (٨/ ٢٩٥): "وفي القبضة واليمين مذهبان معروفان:
مذهب السلف: وهو إثبات ذلك من غير تكييف له، ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الكريم عما تعرفه العرب وتضعه عليه، بتأويل، يجرون على الظاهر، ويكلون علمه إليه تعالى، ويقرون بأن تأويله - أي: ما يؤول إليه من حقيقته- لا يعلمه إلا الله، وهكذا قولهم في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح".
وقال أيضًا كما في مجلة المنار (١٣/ ٦١٣): "نعم ثمة في باب الصفات ما هو أرقى من المذهبين المذكورين مذهب التأويل والتفويض، وذلك من إثبات تلك الصفات بلا تأويل ولا تمثيل إثباتًا حقيقيًّا يليق بالذات العلية".
وقال أيضًا في محاسن التأويل (٢/ ٨٨ - ٨٩): "وصفه تعالى نفسه بالإتيان في ظلل من الغمام كوصفه بالمجيء في آيات أخر ونحوهما مما وصف به نفسه في كتابه أو صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والقول في جميع ذلك من جنس واحد.
وهو مذهب سلف الأمّة وأئمتها أنهم يصفونه سبحانه بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. والقول في صفاته كالقول في ذاته. والله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فلو سأل سائل: كيف يجيء سبحانه أو كيف يأتي .. ؟ فليقل له: كيف هو في نفسه؟ فإذا قال: لا أعلم كيفية ذاته! فليقل له: وكذلك لا تعلم كيفية صفاته .. ! فإن العلم بكيفية الصفة يتبع العلم بكيفية الموصوف. وقد أطلق غير واحد، ممن حكى إجماع السلف - منهم الخطابيّ - مذهب السلف أن صفاته تعالى تجري على ظاهرها مع نفي الكيفية والتشبيه عنها.
وبعض الناس يقول: مذهب السلف إن الظاهر غير مراد. ويقول: أجمعنا على أن الظاهر غير مراد. وهذه العبارة خطأ إمّا لفظا ومعنى، أو لفظا لا معنى؛ لأن لفظ (الظاهر) فيه إجمال واشتراك. فإن كان القائل يعتقد أن ظاهرها التمثيل بصفات المخلوقين أو ما هو من خصائصهم، فلا ريب أن هذا غير مراد، ولكنّ السلف والأئمة لم يكونوا يسمّون هذا ظاهرها.
فهذا القائل أخطأ حيث ظنّ أنّ هذا المعنى الفاسد ظاهر اللفظ حتى جعله محتاجا إلى تأويل، وحيث حكى عن السلف ما لم يريدوه.
وإن كان القائل يعتقد أن ظاهر النصوص المتنازع في معناها من جنس ظاهر النصوص المتّفق على معناها، والظاهر هو المراد في الجميع، فإنّ الله لما أخبر أنّه بكلّ شيء عليم، وأنّه على كل شيء قدير، واتفق أهل السنّة وأئمة المسلمين على أنّ هذا على ظاهره، أن ظاهر ذلك مراد، كان من المعلوم أنهم لم يريدوا بهذا الظاهر أن يكون علمه كعلمنا وقدرته كقدرتنا.
وكذلك لما اتفقوا على أنه حيّ عالم حقيقة، قادر حقيقة لم يكن مرادهم أنه مثل المخلوق الذي هو حيّ عليم قدير.
فإن كان المستمع يظنّ أن ظاهر الصفات تماثل صفات الخلوقين لزمه أن لا يكون شيء من ظاهر ذلك مرادا.
وإن كان يعتقد أن ظاهرها ما يليق بالخالق ويختص به لم يكن له نفي هذا الظاهر، ونفي أن يكون مرادا إلّا بدليل يدل على النفي. وليس في العقل ولا السمع ما ينفي هذا إلّا من جنس ما ينفي به سائر الصفات، فيكون الكلام في الجميع واحدا.
وحينئذ فلا يجوز أن يقال: إنّ الظاهر غير مراد بهذا التفسير.
وبالجملة، فمن قال: إن الظاهر غير مراد- بمعنى أن صفات المخلوقين غير مرادة- قلنا له: أصبت في المعنى، ولكن أخطأت في اللفظ، وأوهمت البدعة، وجعلت للجهميّة طريقا إلى غرضهم، وكان يمكنك أن تقول: تمرّ كما جاءت على ظاهرها، مع العلم بأنّ صفات الله ليست كصفات المخلوقين، وأنّه منزّه مقدّس عن كلّ ما يلزم منه حدوثه أو نقصه.
ومن قال: الظاهر غير مراد بالتفسير الثاني- وهو مراد الجهمية ومن تبعهم- فقد أخطأ. وإنما أتي من أخطأ من قبل أنه يتوهم في بعض الصفات أو في كثير منها أو أكثرها أو كلّها أنها تماثل صفات المخلوقين، ثم يريد أن ينفي ذلك الذي فهمه".