(٢) الكيف المنفي في كلام السلف المراد به التكييف، فقولهم "بلا كيف" أي: بلا تكييف لصفات الله تعالى. وقول الترمذي هنا يوكِّد ذلك حيث فسّر قول السلف: "أمرّوها كما جاءت بلا كيف" بقولهم: "ولا يقال: كيف". ويبين ذلك أيضًا قول الحافظ ابن عبد البر في التمهيد (٧/ ١٥٢): "وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا» عندهم [أي: الصحابة] مثل قول الله عز وجل {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} ومثل قوله {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} كلهم يقول: ينزل ويتجلى ويجيء بلا كيف، لا يقولون: كيف يجيء، وكيف يتجلى، وكيف ينزل". ويؤكِّد ما قلناه أنّ نفي الكيف جاء في بعض عبارات السلف أثناء الكلام على رؤية الله تعالى، مع كون معنى الرؤية واضحا، وأن المؤمنين يرون ربهم عيانا. ومن ذلك ما أخرجه الدارقطني في الصفات (ص: ٤٤) عن الوليد بن مسلم قال: سألتُ الأوزاعي ومالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية وغير ذلك؟ فقالوا: أمْضِها بلا كيف"، وفي شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي (٣/ ٥٥٨) أنهم قالوا: "أمرّوها بلا كيف". وجاء أيضًا التعبير بنفي الكيف فيما هو معلوم المعنى قطعًا، وهو الافتنان في القبر، ومن ذلك قول ابن أبي زَمَنِين المالكي (ت ٣٩٩) في أصول السنة (ص: ١٥٠): "وأهل السنة يؤمنون بأنّ هذه الأمة تُفتن في قبورها، وتُسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم كيف شاء الله، ويصدِّقون بذلك بلا كيف". وافتنانُ هذه الأمة في قبورها، وسؤالها عن ربها ودينها ونبيها معلوم قطعًا، ولم يقل أحد بتفويض المعنى في ذلك، وإنما الذي يُفوَّض كيفية ذلك. فكل هذا يدل على أنّ السلف يُطلِقون نفي الكيف في صفات الله ومرادهم نفي التكييف لصفاته تعالى، فقولهم: "أمرّوها كما جاءت بلا كيف" أي: بلا تكييف.