[٩٨ - قول العلامة محمود الألوسي مفتي الحنفية ببغداد (المتوفى: ١٢٧٠)]
قال شهاب الدين الألوسي في روح المعاني (١٦/ ١٥٨ - ١٥٩): "وعصم الله تعالى أهل الحق مما ذهبوا إليه [أي: المشبهة] وعولوا في عقائدهم عليه، فأثبتت طائفة منهم ما ورد كما ورد مع كمال التنزيه المبرأ عن التجسيم والتشبيه، فحقيقة الاستواء مثلا المنسوب إليه تعالى شأنه لا يلزمها ما يلزم في الشاهد، فهو جل وعلا مستو على العرش مع غناه سبحانه وتعالى عنه، وحمله بقدرته للعرش وحملته، وعدم مماسة له أو انفصال مسافي بينه تعالى وبينه.
ومتى صح للمتكلمين أن يقولوا: إنه تعالى ليس عين العالم ولا داخلا فيه ولا خارجا عنه مع أن البداهة تكاد تقضي ببطلان ذلك بين شيء وشيء، صح لهؤلاء الطائفة أن يقولوا ذلك في استوائه تعالى الثابت بالكتاب والسنة، فالله سبحانه وصفاته وراء طور العقل، فلا يقبل حكمه إلا فيما كان في طور الفكر، فإن القوة المفكرة شأنها التصرف فيما في الخيال والحافظة من صور المحسوسات والمعاني الجزئية، ومن ترتيبها على القانون يحصل للعقل علم آخر بينه وبين هذه الأشياء مناسبة، وحيث لا مناسبة بين ذات الحق جل وعلا وبين شيء، لا يستنتج من المقدمات التي يرتبها العقل معرفة الحقيقة، ...
وهذه الطائفة قيل: هم السلف الصالح.
وقيل: إن السلف بعد نفى ما يُتوهم من التشبيه يقولون: لا ندري ما معنى ذلك، والله تعالى أعلم بمراده.
واعتُرض بأن الآيات والأخبار المشتملة على نحو ذلك كثيرة جدا، ويبعد غاية البعد أن يخاطب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم العباد فيما يرجع إلى الاعتقاد بما لا يُدرى معناه.
وأيضا قد ورد في الأخبار ما يدل على فهم المخاطب المعنى من مثل ذلك، ... عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: إن الله تعالى يضحك من يأس عباده وقنوطهم وقرب الرحمة منهم. فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أو يضحك ربنا؟ قال: نعم، والذي نفسى بيده أنه ليضحك. قلت: فلا يعدمنا خيرا إذا ضحك.
فإنها رضى الله تعالى عنها لو لم تفهم من ضحكه تعالى معنى لم تقل ما قالت.
وقد صح عن بعض السلف أنهم فسَّروا ففي صحيح البخاري قال مجاهد: استوى على العرش علا على العرش. وقال أبو العالية: استوى على العرش ارتفع".
وقال أيضًا في روح المعاني (١٦/ ١٥٧ - ١٥٨): "وعلى ذلك [أي: طريقة السلف وعدم تأويل نصوص الصفات] جرى محققو الصوفية، فقد نقل عن جمع منهم أنهم قالوا: إن الناس ما احتاجوا إلى تأويل الصفات إلا من ذهولهم عن اعتقاد أن حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق، وإذا كانت مخالفة فلا يصح في آيات الصفات قط تشبيه؛ إذ التشبيه لا يكون إلا مع موافقة حقيقته تعالى لحقائق خلقه، وذلك محال.
وعن الشعراني أن من احتاج إلى التأويل فقد جهل أولا وآخرا، أما أولاً فبتعقله صفة التشبيه في جانب الحق، وذلك محال، وأما آخرا فلتأويله ما أنزل الله تعالى على وجه لعله لا يكون مراد الحق سبحانه وتعالى ...
ونقل الشيخ ابراهيم الكورانى في تنبيه العقول عن الشيخ الأكبر قدس سره أنه قال في الفتوحات أثناء كلام طويل عجب فيه من الأشاعرة والمجسمة: الاستواء حقيقة معقولة معنوية تنسب إلى كل ذات بحسب ما تعطيه حقيقة تلك الذات، ولا حاجة لنا إلى التكلف في صرف الاستواء عن ظاهره ...
وقال أيضا فيما رواه عنه تلميذه المحقق إسمعيل بن سودكين في شرح التجليات: ولا يجوز للعبد أن يتأول ما جاء من أخبار السمع لكونها لا تطابق دليله العقلي كأخبار النزول وغيره لأنه لو خرج الخطاب عما وُضع له لما كان به فائدة، وقد علمنا أنه عليه الصلاة والسلام أرسل ليبين للناس ما أنزل إليهم، ثم رأيناه صلى الله عليه وسلم مع فصاحته وسعة علمه وكشفه لم يقل لنا أنه تنزل رحمته تعالى، ومن قال تنزل رحمته فقد حمل الخطاب على الأدلة العقلية، والحق ذاته مجهولة فلا يصح الحكم عليه بوصف مقيد معين، والعرب تفهم نسبة النزول مطلقا فلا تقيده بحكم دون حكم، وحيث تقرر عندها أنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء يحصل لها المعنى مطلقا منزها.
وربما يقال لك: هذا يحيله العقل. فقل: الشأن هذا إذا صح أن يكون الحقُّ من مدركات العقول، فانه حينئذ تمضى عليه سبحانه وتعالى أحكامها انتهى.
وقال تلميذه الشيخ صدر الدين القونوى في مفتاح الغيب بعد بسط كلام في قاعدة جليلة الشأن حاصلها أن التغاير بين الذوات يستدعى التغاير في نسبة الأوصاف إليها ما نصه: وهذه قاعدة من عرفها أو كشف له عن سرها عرف سر الآيات والأخبار التي توهم التشبيه عند أهل العقول الضعيفة واطلع على المراد منها فيسلم من ورطتي التأويل والتشبيه وعاين الأمر كما ذكر مع كمال التنزيه. انتهى.