للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[١٥ - قول الإمام إسحاق بن راهويه (المتوفى: ٢٣٨)]

قال أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب السنة كما في الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (٦/ ٤٢٠): "قال إسحاق بن راهويه: إنّ الله تبارك وتعالى وصف نفسه من كتابه بصفات استغنى الخلق كلهم عن أن يصفوه بغير ما وصف به نفسه وأجله في كتابه، فإنما فسر النبي صلى الله عليه وسلم معنى إرادة الله تبارك وتعالى، ... وكل ما وصف الله به نفسه من الصفات التي ذكرناها مما هي موجودة في القرآن، وما لم نذكر فهو كما ذُكر. وإنما يلزم العباد الاستسلام لذلك والتعبد، لا نُزيل صفة مما وصف الله بها نفسه أو وصف الرسول عن جهتها لا بكلام ولا بإرادة، إنما يلزم المسلم الأداء ويوقن بقلبه أن ما وصف الله به نفسه في القرآن إنما هي صفاته، ولا يعقل نبي مرسل ولا ملك مقرب تلك الصفات إلا بالأسماء التي عرفهم الرب تبارك وتعالى، فأما أن يدرك أحد من بني آدم معنى (١)

تلك الصفات فلا يدركه أحد، وذلك أن الله تعالى إنما وصف من صفاته قدر ما تحتمله عقول ذوي الألباب ليكون إيمانهم بذلك ومعرفتهم بأنه الموصوف بما وصف به نفسه، ولا يعقل أحد منتهاه ولا منتهى صفاته، وإنما يلزم المسلم أن يثبت معرفة صفات الله بالإتباع والاستسلام كما جاء، فمن جهل معرفة ذلك حتى يقول إنما أصف ما قال الله ولا أدري ما معاني ذلك حتى يفضي إلى أن يقول بمعنى قول الجهمية يد نعمة ويحتج بقوله: {أيدينا أنعاما} ونحو ذلك فقد ضل عن سواء السبيل.

هذا محض كلام الجهمية حيث يؤمنون بجميع ما وصفنا من صفات الله، ثم يحرفون معنى الصفات عن جهتها التي وصف الله بها نفسه، حتى يقولوا: معنى السميع هو البصير، ومعنى البصير هو السميع، ويجعلون اليد يد نعمة وأشباه ذلك يحرفونها عن جهتها لأنهم هم المعطلة".

وفي عقيدة السلف أصحاب الحديث لأبي عثمان الصابوني (ص: ١٩٧ - ١٩٨) أنّ إسحاق بن راهويه سئل عن حديث النزول أصحيح هو؟ قال: نعم. فقال له بعض قواد عبد الله [أي: ابن طاهر]: يا أبا يعقوب أتزعم أن الله ينزل كل ليلة؟ قال: نعم. قال كيف ينزل؟ فقال له إسحاق: أَثْبِته فوق حتى أصف لك النزول. فقال الرجل: أَثْبَتّه فوق. فقال إسحاق: قال الله عز وجل: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} فقال الأمير عبد الله: يا أبا يعقوب، هذا يوم القيامة. فقال إسحاق: أعز الله الأمير، ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم".

وفي العلو للعلي الغفار (ص: ١٧٧) أن إسحاق بن راهويه قال: دخلت على ابن طاهر فقال: ما هذه الأحاديث يروون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا؟ قلت: نعم رواها الثقات الذين يروون الأحكام.

فقال: ينزل ويدع عرشه؟ فقلت: يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش؟ قال: نعم. قلت: فلم تتكلم في هذا".


(١) ليس المراد أصل معنى الصفة، وإنما المراد تمام معاني تلك الصفات، ويدل على ذلك عدة أمور:
الأول: قول إسحاق بعد ذلك: "ولا يعقل أحدٌ منتهاه ولا منتهى صفاته"، ومنتهى الصفة أي: كُنه الصفة وحقيقتها.
الثاني: قوله: "لا نُزيل صفة مما وصف الله بها نفسه أو وصف الرسول عن جهتها"، فهو واضح في أنّ معاني الصفات لها جهة ثابتة، وهي ما دلّ عليه اللفظ. ويؤيد ذلك قوله عن الجهمية أنهم: "يحرفون معنى الصفات عن جهتها التي وصف الله بها نفسه".
الثالث: أنّ كلام إسحاق عام في جميع صفات الله، وقد ذكر صفتي السمع والبصر وهما من الصفات المعلومة المعنى.
أما تفويض المعنى بالكلية كما هو مذهب أهل التفويض فقد ذكر إسحاق أنه يُفضي إلى القول بقول الجهمية، حيث قال: "فمن جهل معرفة ذلك حتى يقول إنما أصف ما قال الله ولا أدري ما معاني ذلك حتى يفضي إلى أن يقول بمعنى قول الجهمية يد نعمة ... ".

<<  <   >  >>