[٨٢ - قول العلامة أحمد بن إبراهيم، عماد الدين الواسطي الشافعي الصوفي، المعروف بابن شيخ الحزامية (المتوفى: ٧١١ هـ)]
قال أحمد بن إبراهيم الواسطي في النصيحة في صفات الرب جل وعلا (ص: ٢٣ - ٢٤): "حياته معلومة وليست مكيفة، وعلمه معلوم وليس مكيفا، وكذلك سمعه وبصره معلومان، ليس جميع ذلك أعراضا، بل هو كما يليق به.
ومثل ذلك بعينه فوقيته واستواؤه ونزوله، ففوقيته معلومة أعني ثابتة كثبوت حقيقة السمع وحقيقة البصر فإنهما معلومان ولا يكيفان، كذلك فوقيته معلومة ثابتة غير مكيفة كما يليق به، واستواؤه على عرشه معلوم غير مكيف بحركة أو انتقال يليق بالمخلوق، بل كما يليق بعظمته وجلال صفاته، معلومة من حيث الجملة والثبوت، غير معلومة من حيث التكييف والتحديد، فيكون المؤمن بها مبصرا بها من وجه، أعمى من وجه، مبصرا من حيث الإثبات والوجود، أعمى من حيث التكييف والتحديد
وبهذا يحصل الجمع بين الإثبات لما وصف الله تعالى نفسه به، وبين نفي التحريف والتشبيه والوقوف، وذلك هو مراد الرب تعالى منا في إبراز صفاته لنا لنعرفه به ونؤمن بحقائقها وننفي عنها التشبيه ولا نعطلها بالتحريف والتأويل.
ولا فرق بين الاستواء والسمع، ولا بين النزول والبصر، الكل ورد به النص.
فإن قالوا لنا في الاستواء: شبّهتم؟ نقول لهم في السمع: شبهتم ووصفتم ربكم بالعرض.
فإن قالوا: لا عرض، بل كما يليق به. قلنا في الاستواء والفوقية: لا حصر، بل كما يليق به. فجميع ما يلزمونا به في الاستواء والنزول واليد والوجه والقدم والضحك والتعجب من التشبيه نلزمهم به في الحياة والسمع والبصر والعلم.
فكما لا يجعلونها هم أعراضا. كذلك نحن لا نجعلها جوارح ولا ما يوصف به المخلوق.
وليس من الإنصاف أن يفهموا في الاستواء والنزول والوجه واليد صفات المخلوقين فيحتاجوا إلى التأويل والتحريف.
فإن فهموا في هذه الصفات ذلك فيلزمهم أن يفهموا في الصفات السبع صفات المخلوقين من الأعراض.
فما يلزمونا في تلك الصفات من التشبيه والجسمية، نلزمهم به في هذه الصفات من العرضية، وما ينزهوا ربهم به في الصفات السبع، وينفون عنه عوارض الجسم فيها، فكذلك نحن نعمل في تلك الصفات التي ينسبونا فيها إلى التشبيه سواء بسواء.
ومن أنصف عرف ما قلنا واعتقده وقَبِل نصيحتنا ودان لله بإثبات جميع صفاته هذه وتلك، ونفى عن جميعها التشبيه والتعطيل والتأويل والوقوف، وهذا مراد الله منا في ذلك؛ لأن هذه الصفات وتلك جاءت في موضع واحد، وهو الكتاب والسنة، فإذا أثبتنا تلك بلا تأويل، وحرفنا هذه وأوّلناها كنا كمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض".
وقال (ص: ٢١): "وأثبتنا علو ربنا وفوقيته واستواءه على عرشه كما يليق بجلاله وعظمته، والحق واضح في ذلك والصدر ينشرح له، فإن التحريف تأباه العقول الصحيحة مثل تأويل الاستواء بالاستيلاء وغيره، والوقوف في ذلك جهل وعيّ، مع أن الرب سبحانه وصف لنا نفسه بهذه الصفات لنعرفه بها، فوقوفنا عن إثباتها ونفيها عدول عن المقصود منه في تعريفنا إياه، فما وصف لنا نفسه بها إلا لنثبت ما وصف به نفسه، ولا نقف في ذلك".
وقال: (ص: ٣٠): "فرحم الله عبدا وصلت إليه هذه الرسالة ولم يعاجلها بالإنكار، وافتقر إلى ربه في كشف الحق آناء الليل وأطراف النهار، وتأمل النصوص في الصفات، وفكر بعقله في نزولها، وفي المعنى الذي نزلت له، وما الذي أريد بعلمها من المخلوقات، ومن فتح الله قلبه عرف أنه ليس المراد إلا معرفة الرب بها والتوجه إليه منها وإثباته له بحقائقها وأعيانها كما يليق بجلاله وعظمته، بلا تأويل ولا تعطل ولا تكييف ولا تمثيل ولا جمود ولا وقوف".