[٣٣ - قول الإمام أبي الحسن الأشعري (المتوفى: ٣٢٤)]
قال أبو الحسن الأشعري في الإبانة عن أصول الديانة (ص: ١٢٥ - ١٢٩): "فإن سئلنا أتقولون: إن لله يدين؟
قيل: نقول ذلك بلا كيف، ... وليس يجوز في لسان العرب، ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل: عملت كذا بيديّ، ويعني به النعمة، وإذا كان الله عز وجل إنما خاطب العرب بلغتها وما يجري مفهوما في كلامها، ومعقولا في خطابها، وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل: فعلت بيدي، ويعني النعمة، بطل أن يكون معنى قوله تعالى: (بيدي) النعمة ...
ولو كان القرآن بلسان غير العرب لما أمكن أن نتدبره، ولا أن نعرف معانيه إذا سمعناه، فلما كان من لا يحسن لسان العرب لا يحسنه، وإنما يعرفه العرب إذا سمعوه على أنهم إنما علموه لأنه بلسانهم نزل، وليس في لسانهم ما ادعوه".
وقال أيضًا في الإبانة عن أصول الديانة (ص: ١٣٩ - ١٤٠): "فإن قال قائل: ما أنكرتم أن يكون قوله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا}، وقوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} على المجاز؟
قيل له: حكم كلام الله تعالى أن يكون على ظاهره وحقيقته، ولا يخرج الشيء عن ظاهره إلى المجاز إلا بحجة.
ألا ترون أنه إذا كان ظاهر الكلام العموم، فإذا ورد بلفظ العموم والمراد به الخصوص فليس هو على حقيقة الظاهر، وليس يجوز أن يعدل بما ظاهره العموم عن العموم بغير حجة، كذلك قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} على ظاهره أو حقيقته من إثبات اليدين، ولا يجوز أن يعدل به عن ظاهر اليدين إلى ما ادعاه خصومنا إلا بحجة".
وقال أيضًا في الإبانة عن أصول الديانة (ص: ١٠٥ - ١٠٧): "إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟
قيل له: نقول: إن الله عز وجل يستوي على عرشه استواء يليق به من غير طول استقرار، كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ... وقال تعالى حاكيا عن فرعون لعنه الله: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً}، كذَّبَ موسى عليه السلام في قوله: إن الله سبحانه فوق السماوات. وقال تعالى: {أأمِنْتم مَنْ في السّماءِ أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} فالسماوات فوقها العرش، فلما كان العرش فوق السماوات قال: {أأمِنْتم مَنْ في السّماءِ} لأنه مستو على العرش الذي فوق السماوات، وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السماوات، وليس إذا قال: {أأمِنْتم مَنْ في السّماءِ} يعني جميع السماوات، وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات، ألا ترى الله تعالى ذكر السماوات، فقال تعالى: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً}، ولم يرد أن القمر يملأهن جميعا، وأنه فيهن جميعا، ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء؛ لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات، فلولا أن الله عز وجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش، كما لا يحطّونها إذا دعوا إلى الأرض".
وقال في رسالة إلى أهل الثغر (ص: ٢٣٦): "وأجمعوا على وصف الله تعالى بجميع ما وصف به نفسه ووصفه به نبيه من غير اعتراض فيه ولا تكيف له، وأن الإيمان به واجب، وترك التكييف له لازم".
وقال في مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين (١/ ٢٢٨): "ويقرون أن الله سبحانه يجيء يوم القيامة كما قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}، وأن الله يقرب من خلقه كيف يشاء كما قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} ".