للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٩٦ - قول العلامة محمد السفاريني (المتوفى: ١١٨٨)]

قال السفاريني في لوامع الأنوار البهية (١/ ١٠٧): "اعلم أن مذهب الحنابلة هو مذهب السلف، فيصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فالله تعالى ذات لا تشبه الذوات، متصفة بصفات الكمال التي لا تشبه الصفات من المحدثات، فإذا ورد القرآن العظيم وصحيح سنة النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بوصف للباري جل شأنه، تلقيناه بالقبول والتسليم، ووجب إثباته له على الوجه الذي ورد، ونكل معناه (١) للعزيز الحكيم، ولا نعدل به عن حقيقة وصفه، ولا نلحد في كلامه، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا نزيد على ما ورد، ولا نلتفت لمن طعن في ذلك وردّ. فهذا اعتقاد سائر الحنابلة كجميع السلف".

وقال أيضًا (١/ ١١٧): "اختلف الناس في إثبات صفات الباري جل شأنه، فأثبتها أهل الحق من غير نفي لها ولا لبعضها، وهذا مذهب سلف الأمة وسائر الأئمة.

وأثبت المتكلمون بعضها من الحياة والقدرة والإرادة والعلم والكلام والسمع والبصر، ويسمونها الصفات الثبوتية والمعنوية، وما عداها من صفات الأفعال والسلوب ونحوها فحادثة عندهم".

وقال أيضًا (١/ ٢٠٠): "والكيف [أي: كيفية الاستواء ونحوه من صفات الله] مجهول، فالذي ثبت نفيه بالشرع والعقل واتباع السلف إنما هو علم العباد بالكيفية، فعندها تنقطع الأطماع، وعن دركها تقصر العقول".

وقال أيضًا (١/ ٢٣٨ - ٢٣٩): "كل شيء وارد من صفات الله تعالى (من نهجه) أي نهج اليد والوجه ونحوهما، والنهج الطريق الواضح أي: كل ما ورد من الأصناف من الرجل والقدم والصورة (و) من (عينه) عز وجل، فنهجه الواضح وسبيله المبين الإقرار بما ورد، والإيمان بما صح من غير تشبيه ولا تمثيل، ولا إلحاد ولا تعطيل، بل نقر ونذعن، ونسلّم ونؤمن بكل ذلك، ونثبته إثبات وجود بلا تكييف ولا تحديد".

وقال أيضًا (١/ ٢٤٧): "تنبيهات: الأول: الذي يلزم مَن قال بإثبات صفة النزول يلزم مثله من قال بصفة الحياة والسمع والبصر والعلم والكلام والقدرة والإرادة له تعالى، لأنه لا يعقل من هذه الصفات إلا الأعراض التي لا تقوم إلا بجوارحنا، فكما نقول نحن وإياهم حياته وسمعه وبصره ليست بأعراض، بل هي صفات كما يليق به لا كما تليق بنا، فنقول نحن أيضا بمثل ذلك بعينه: نزوله وفوقيته واستواؤه ونحو ذلك، فكل ذلك ثابت معلوم غير مكيف بكيفية ولا انتقال يليق بالمخلوق، بل هو كما أخبر هو ورسوله سيد البشر مما يليق بجلال عظمته وباهر كبريائه، لأن ذاته وصفاته معلومة من حيث الجملة ثبوت وعلم وجود بلا كيفية ولا تحديد، فكل ما ورد في الكتاب، وصح عن رسول الملك الوهاب، فسبيله واحد من النزول، واليد والقدم والوجه والغضب والرضا وغيرها فاحفظه، وبالله التوفيق".

وقال أيضًا (١/ ٩٩ - ١٠١): "فإن الله - جل ثناؤه - سمى نفسه في كتابه العزيز بالرحمن الرحيم، ووصف نفسه بالرحمة والمحبة، فقال: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا}، وَقَالَ: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}، وَقَالَ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} ...

وكذلك الرضا والغضب إلى غير ذلك من سائر ما جاء به الكتاب العظيم والنبي الكريم، فسلف الأمة وعلماء الأئمة يؤمنون به، ويثبتونه لله تعالى بالمعنى الذي أراده تعالى مع اعتقادهم التنزيه والتقديس عن التشبيه والتنقيص.

ومن الناس من يجعل رحمة الله وحبّه تعالى عبارة عما يخلقه من النعمة، وهذا ظاهر البطلان.

فإن قيل: إن إثبات هذا تشبيه; لأن الرحمة رقة تلحق المخلوق، والرب منزه عن مثل صفات المخلوقين، فالجواب: إنّ الذي يلزم من هذه الصفات يلزم من غيرها، فإن الإرادة في حق المخلوق ميله إلى ما ينفعه، ودفع ما يضره، والله تعالى منزه عن الاحتياج إلى عباده، وهم لا يبلغون ضره ولا نفعه، بل هو الغني عن كل ما سواه.

فإن قيل: الإرادة التي نثبتها لله ليست مثل إرادة المخلوقين، كما أنا قد اتفقنا وسائر المسلمين على أنه تعالى حي عليم قدير، وليس هو مثل سائر الأحياء العلماء القادرين.

فالجواب: أنا نقول: وكذلك الرحمة والمحبة التي نثبتها لله تعالى ليست مثل رحمة المخلوق ومحبة المخلوق ... ".

وقال أيضًا (١/ ١٠١): "فإنا ندين لله تعالى بإثبات ما جاءت به الآيات وصحيح الروايات، وسلكته الأئمة السادات (من غير تعطيل) لها عن حقائقها ونفيها مع صحة مخارجها، بل نثبتها ونؤمن بها، ولا تشبيه في مجرد إثباتها، (ولا) أي: ومن غير (تمثيل) لها بصفات المخلوق، بل إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل".

وقال أيضًا (١/ ٢٣٢ - ٢٣٣): "وذهبت المعتزلة وطائفة من الأشعرية إلى أنّ المراد باليدين معنى النعمتين، وطائفة من الأشعرية أيضا أن المراد باليدين القدرة ... ولا يخفى ما في هذا من الإعراض والانصراف والعدول عن الحق والإنصاف، بل الصواب إثبات ما أثبته الله لنفسه، ووصفه به نبيه حسبما ورد، من غير إلحاد ولا رد، فهو إثبات وجود بلا تكييف".

وقال أيضًا (١/ ١١٦ - ١١٧): "وأما المنحرفون عن طريقهم [أي: طريق السلف]، فثلاث طوائف: أهل التخييل، وأهل التأويل، وأهل التجهيل، ...

وأهل التجهيل هم الذين يقولون: إن الرسول لم يعرف معاني ما أنزل عليه من آيات الصفات، ولا جبريل يعرف معاني الآيات، ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك، وكذلك قولهم في أحاديث الصفات، وأن الرسول تكلم بكلام لا يعرف معناه، وهذا قول كثير من المنتسبين إلى السنة واتباع السلف، فيقولون في آيات الصفات وأحاديثها: لا يعلم معرفتها إلا الله، ويستدلون بقوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللّهُ}، ويقولون: تجرى على ظاهرها، وظاهرها [غير] مراد مع قولهم: إن لها تأويلا بهذا المعنى لا يعلمه إلا الله".

وقال أيضًا (١/ ٢٥): "مذهب السلف هو المذهب المنصور، والحق الثابت المأثور، وأهله هم الفرقة الناجية، ... فمن المحال أن يكون الخالفون أعلم من السالفين، كما يقوله بعض من لا تحقيق لديه ممن لا يقدر قدر السلف، ولا عرف الله تعالى ولا رسوله ولا المؤمنين به حق المعرفة المأمور بها من أن طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم، وهؤلاء إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه ذلك بمنزلة الأميين، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المعروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات، فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهور، وقد كذبوا وأفكوا على طريقة السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف، فجمعوا بين باطلين: الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم، والجهل والضلال بتصويب طريقة غيرهم".


(١) أي: حقيقة معناه.

<<  <   >  >>