[١٠٦ - قول العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي (المتوفى: ١٣٧٦)]
قال في تفسيره (ص: ١٢٢): "وقوله: {وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللّهُ} للمفسرين في الوقوف على {الله} من قوله {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللّهُ} قولان: جمهورهم يقفون عندها، وبعضهم يعطف عليها {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} وذلك كله محتمل؛ فإن التأويل إن أريد به علم حقيقة الشيء وكنهه كان الصواب الوقوف على {إلا الله} لأن المتشابه الذي استأثر الله بعلم كنهه وحقيقته، نحو حقائق صفات الله وكيفيتها، وحقائق أوصاف ما يكون في اليوم الآخر ونحو ذلك، فهذه لا يعلمها إلا الله، ولا يجوز التعرض للوقوف عليها، لأنه تعرض لما لا يمكن معرفته، كما سئل الإمام مالك رحمه الله عن قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فقال السائل: كيف استوى؟ فقال مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فهكذا يقال في سائر الصفات لمن سأل عن كيفيتها أن يقال كما قال الإمام مالك، تلك الصفة معلومة، وكيفيتها مجهولة، والإيمان بها واجب، والسؤال عنها بدعة، وقد أخبرنا الله بها ولم يخبرنا بكيفيتها، فيجب علينا الوقوف على ما حد لنا، فأهل الزيغ يتبعون هذه الأمور المشتبهات تعرضا لما لا يعني، وتكلفا لما لا سبيل لهم إلى علمه، لأنه لا يعلمها إلا الله، وأما الراسخون في العلم فيؤمنون بها ويكلون المعنى إلى الله فيسلمون ويسلمون.
وإن أريد بالتأويل التفسير والكشف والإيضاح، كان الصواب عطف {وَالرَّاسِخُونَ} على {الله} فيكون الله قد أخبر أن تفسير المتشابه ورده إلى المحكم وإزالة ما فيه من الشبهة لا يعلمها إلا هو تعالى، والراسخون في العلم يعلمون أيضا، فيؤمنون بها ويردونها للمحكم ويقولون {كُلٌ} من المحكم والمتشابه {مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} وما كان من عنده فليس فيه تعارض ولا تناقض بل هو متفق يصدق بعضه بعضا ويشهد بعضه لبعض".