[١٨ - قول الإمام الحارث بن أسد المحاسبي (المتوفى: ٢٤٣)]
قال الحارث المحاسبي في كتابه فهم القرآن (ص: ٣٤٩ - ٣٥٢): "وأما قوله: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} و {أأمِنْتم مَنْ في السّماءِ} فهذا مقطع يوجب أنه فوق العرش فوق الأشياء، منزه عن الدخول في خلقه، لا يخفى عليه منهم خافية، لأنه أبان في هذه الآيات أن ذاته بنفسه فوق عباده لأنه قال:{أأمِنْتم مَنْ في السّماءِ أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} يعني: فوق العرش، والعرش على السماء، لأن من كان فوق شيء على السماء فهو في السماء ...
ثم استأنف التخويف بالخسف إلا أنه على العرش فوق السماء وقال {{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ في يَومٍ} الآية، وقال:{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} فبين عروج الأمر وعروج الملائكة ثم وصف صعودها بالارتفاع صاعدة إليه فقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطِّيبُ}، وقال:{ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} ثم قال {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ} مقدار صعودها، وفصله من قوله:{إليه} كقول القائل: صعدت إلى فلان في يوم أو في ليلة، وإن صعودك إليه في يوم، فإذا صعدوا إلى العرش فقد صعدوا إلى الله جل وعز وإن كانوا لم يروه ولم يساووه في الارتفاع في علوه، فإنهم قد صعدوا من الأرض وعرجوا بالأمر إلى العلو الذي الله عز وجل فوقه ... وقال عن فرعون {لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى}، ثم استأنف فقال:{وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً} فيما قال لي إنه في السماء، فطلبه حيث قال له موسى، مع الظن منه بموسى عليه السلام أنه كاذب".